محمود الهاشمي
قد يعتقد البعض، ان الشخصيات السياسية عندما تفشل في مهمتها تسارع الى مغادرة الموقع السياسي ادارياً كان او حزبياً، لتترك الامر لمن هو اهلاً لها !!، هذا النوع من التضحية لم تألفه طبقة السياسيين من قبل، قديماً او حديثاً ، فقد حكم العالم ملوك مجانين وصبيان وغلمان وراقصات، دون ان يفكروا لحظة انهم غير قادرين على ادارة الدولة، ونتيجة لحماقاتهم دفعت الشعوب اثماناً باهضة من الارواح والاموال وفقدان مساحات شاسعة من اراضي الاوطان وغيرها...
ان اغلب "الفاشلين" في التاريخ، والذين تسببوا بالحروب والازمات لم يعترفوا ابداً باخطائهم، فهذا هو الرئيس غوربا تشوف ، مازال حياً بعد ان كان سبباً في انهيار بلده، وسبباً في هلاك الالاف من دول اوربا الشرقية في حروب اشعلتها امريكا فيما بينهم فانتهوا الى دويلات صغيرة واعداد هائلة منهم تتسول في دول العالم الاخرى!!.
ان هذه "العقدة" التي تتلبس الانسان ، عاشت معه منذ ان وطأت قدمه الارض ، ولم نجد من تنازل عنها وان دعوات "البعض" لقادة الكتل السياسية ان يتركوا الساحة لسواهم بعد تاريخ من الفشل الذريع نوع من الوهم، فهؤلاء يشبهون اولئك..
ان جميع سياسيينا في العراق هم (باطوال واحدة) وليس فيهم من يصلح ان يكون قائداً متميزاً او يحمل مشروعاً وطنياً، لذا من السهل اختراقهم من قبل الجهات الخارجية وباتت تديرهم السفارات، بل اتعبوا السفارات ايضاً بكثرة السؤال عن "صغائر الامور"، وهذا هو الذي جعل الامة تعيش فترات الاستعمار اكثر من فترات التحرر، فلم يتعاقب على الخلافة في دولة بني العباس سوى سبعة ثامنهم المعتصم حيث عمل على طرد الجيوش العربية والشرطة، ويذهب الى سوق النخاسين ويجمع الغلمان ويدربهم ليصنع منهم جيشاً، حتى ان معركة (عمورية) ضد الروم قادها احد هؤلاء الغلمان المدعو "لافشين" واستهتر هولاء بشوارع بغداد، ليبني لهم مدينة العسكر في سامراء وحين توفي استولى هؤلاء على ادارة الحكم ولم يستطع الخلفاء الذين من بعده ان يفعلوا شيئاً، اما اهالي بغداد ، فاكتفوا بكتابة الادعية على الجدران ضد "المعتصم"!! فضعفت الدولة واستولى عليها البويهيون ثم السلاجقة، احدهم حكم (150) عاماً، والاخر (125) عاماً..ترى ما الذي بقي تاريخ من الدولة؟...لياتي المغول وتسقط بغداد عام 1258م ونغط في الظلام من هذا العام حتى 1920 وتشكيل اول حكومة بأوامر بريطاينا!!..
مثلما عاش العراق هذا الظلام عاشت الدول العربية الاخرى وحكم مصر المماليك، وهم العبيد الذين استولوا على السلطة وحكموا (267) سنة واعقبهم الاستعمار العثماني.
وحتى خلال حكم الدولة العثمانية للعراق سيطر المماليك " الغلمان" الذين جلبوهم العثمانيون من جورجيا على السلطة وحكموا (88) عاماً..
ان فقدان الثقة بالنفس عاش مع الشخصية العربية التي تحسن شتيمة نفسها كلما شعرت بالهزيمة دون ان تفكر يوماً ان تشتم عدوها وتحاربه، فقبل ايام كتب شاب على صفحته الشخصية "ما الجدوى من نصب التحرير"؟...
وهذا الامر ترك تداعياته على كل مفردات الوطن، حيث باتوا لايتحسنون طعم الماء في بلدهم ، ولا يعتقدون ان ارض العراق صالحة للزراعة، بل تعدوا اكثر من ذلك لينالوا من رموزهم الدينية ومفكريهم وكتابهم ومعتقداتهم ، والكثير منهم القوا انفسهم في البحار او اشتروا عقارات في البلدان المجاورة معتقدين ان البلد بات "قمامة" ولا يصلح للعيش..ان واحدة من اكبر مشاكل الشعوب عندما يشعر الشعب بالهزيمة ! ان كل الدول التي نهضت وبنت تجاربها المميزة مرت بظروف اصعب من ظروفنا من استعمار وجوع وحكام "اغبياء" ومخدرات وضياع، لكن الذي تعبث فيهم الروح هو "الثقة بالنفس" وهذه الثقة واحدة من اهم اسباب قوتها هو الايمان بالنصر والاتكاء على التاريخ بكل رمزيته وتنوعه.
ان تجمع القيم الرفيعة سواء الاجتماعية والدينية وغيرها، وان تؤمن ان كل الاحزاب السياسية التي مرت في البلد كان الذين يمثلونها دون فهمها مخلطوا الافكار بالبداوة والطائفية والعرقية، ففقدت معاليها، وقوتها.
ان واحدة من اسباب نهضة اليابان وجعل الشخص الياباني متفوقاً ومتميزاً هي ديانة "فيجي" التي لاتتعدى بضعة تعاليم، ومنها "حين تشعر ان المارة باتوا يتعثرون بك عليك عندها ان تغادر"، وواحدة من اسباب قوة الصين ونهضتها هي "الكونفوشيوسية" وفي فيتنام البوذية وهكذا...ان من يريد ان ينهض يجب ان يجمع كل قواه المتوفرة ارضاً وتاريخاً وحضارة ورموزاً.
لا انكر ان "الحرب الناعمة" التي استخدمتها امريكا ضدنا فاعلة ، وتركت آثارها على كافة المستويات وخاصة عبر استخدامها وتسخيرها للعشرات من منظمات المجتمع المدني التي تقودها شخصيات محترفة عملت في اغلب قارات العالم، وسط اهمال وضياع حكومي ترك الحبل على الغارب، وهذه المنظمات نظمت عمل الشباب بما يخدم مصالحها، واول شيئ رسخوه في اذهانهم التجاوز على قيم المجتمع والتمرد على الدين والاسرة الخ.
لذا نحن مطالبون جميعاً الان، ان نفكر معاً لخلاص بلدنا وليس للخلاص من دين ومعتقدوه رمز، وكأنما هؤلاء وراء فشلنا، لان ذلك يبعدنا عن التركيز في مشروع الوطن...
ان فشل طبقة السياسيين ومايصدر عنهم لايعني فشلنا نحن كتاريخ وكوطن وامة، فهذه المرحلة تزاح وتعقبها اخرى حتى نجد طريق الخلاص، اذن نحن مطالبون ان نفكر معاً لا ان تختلف ، وما ترونهم من عناوين واسماء ما عادوا يصلحون للبقاء.
https://telegram.me/buratha