.كندي الزهيري
نتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي وهيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي هيمنة مطلقة لا ينازعها احد حتى الآن ترتب على ذلك سيادة مفاهيم وسياسات الولايات المتحدة، وفي هذه المرحلة تسعى الولايات المتحدة مستغلة المتغيرات الدولية، لاستثمار هذه الفرص من اجل تكريس هيمنتها الدولية وتعزيز نفوذها في المنطقة، ولعل في هذين الهدفين علاقة محكمة في الادراك السياسي الاميركي، ويقول جان بيرشنفنمان وزير الدفاع الفرنسي خلال حرب الخليج الثانية عن ذلك " لقد استغلت الولايات المتحدة انهيار الاتحاد السوفيتي واصبحت السيدة الوحيدة لمنطقة الشرق الأوسط .
ووضعت مرحلة ما بعد الحرب الباردة صانع القرار الاميركي امام مرحلة جديدة، فالعدو السوفيتي تفكك، ليجد بعد ذلك العقل السياسي الاميركي فرصته في التفرد بالنظام العالمي.
أدى انتهاء الحرب الباردة إلى حدوث انقلاب في الميزان الاستراتيجي العالمي، بحيث اصبحت الولايات المتحدة القوى العظمى الوحيدة في العالم، الا أن هذا التحول لم يؤثر على هياكل النظام الدولي أو مؤسساته بل اصبحت الولايات المتحدة صاحبة القوة والنفوذ والتأثير القوي على الأطلاق في الساحة الدولية، ليأتي ذلك في مقدمة المتغيرات الدولية المؤثرة على العمل العربي المشترك . وطرحت نهاية الحرب الباردة مع زوال الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج ضد الغزو العراقي للكويت، وانتصار الولايات المتحدة على المنظومة السوفيتية دون حرب، فرصا عديده للمضي قدماً في تطبيق مشروعها المتجدد للشرق الأوسط . وهذا ما يسميه" ريتشارد هاس" بالعصر الرابع من عصور الشرق الأوسط، اما العصر الرابع الذي جاء في اعقاب انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، فقد اتاح للأميركيين قدره على التأثير وحرية في التحرك بشكل غير مسبوق، وانتصارهم في معركة تحرير الكويت، وانتشارهم العسكري الطويل الامد براً وجواً في شبه الجزيرة العربية، وقيادة الجهود الدبلوماسية بهدف أيجاد حل شامل للنزاع العربي _ الإسرائيلي. ويطلق البعض على هذه المرحلة تسمية الشرق الأوسط القديم، الذي برز فيه العراق كنظام معادي لكنه ضعيف، وإسرائيل الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، كأقوى لاعب اقليمي في وقت شهدت فيه تلك المرحلة العديد من المظاهر، ابرزها التقلبات في اسعار النفط، واستمرار وجود أنظمة عربية قمعية وصعوبة التعايش بين إسرائيل والفلسطينيين وبقية العرب، في ظل التفوق الأميركي.
أدت انتهاء الحرب الباردة إلى اختفاء هامش المناورة الاستراتيجية ما بين الكتلتين الشرقية والغربية، وهبت رياح التغيير الديموقراطي، لتعصف بمختلف الأنظمة التي كانت تسير في فلك الاتحاد السوفيتي، واصبحت قضية الديموقراطية وقضية حقوق الانسان قضايا عالمية .
اما العوامل التي ادت إلى أيصال هذا العصر إلى نهايته، بعد اقل من عقدين، فمنها البنيوي ومنها ما هو مستحدث ذاتياً، حيث جاء غزو العراق في عام 2003م،وهكذا استفاقت التوترات السنية الشيعية في ظل هذا البلد بأثارة للطائفية من قبل عملاء امريكا ، وعلى امتداد الشرق الأوسط بعدما كانت الأنظمة الاستبدادية هي من تقوم بذلك تحت ما يسمى حفظ القانون ، وتحول الصراع من عربي إسرائيلي إلى عربي _ عربي، وصراع سني _ شيعي،حيث اتخذ الارهابيون قواعد لهم في العراق، وقاموا بتطوير تقنياتهم وتصديرها، بحيث اصبحت مسألة الديموقراطية مرتبطة بفقدان الامن ونهاية التفوق المواطنة. من جهة ثانية تسبب غزو العراق بتقليص نفوذ الولايات المتحدة في العالم، نتيجة لتنامي الشعور المعادي للأميركيين. فكان من سخرية القدر أن تكون حرب الخليج الأولى التي عدت حرباً ضرورية، قد شكلت بداية للعصر الاميركي في الشرق الأوسط، فيما جاءت حرب الخليج الثانية، التي عدت حرب خيار لتنهي ذلك العصر. إلى ذلك برزت عوامل اخرى ساهمت في فقدان واشنطن نفوذها في المنطقة، ومنها انهيار عملية السلام، كنتيجة للفشل مفاوضات كامب ديفيد في العام 2002م، وضعف خليفة ياسر عرفات، وصعود حماس والنزعة الإسرائيلية الاحادية، وعدم قدرة إدارة بوش على مواصلة العمل الدبلوماسي، وهكذا خسرت الولايات المتحدة دوراً فريداً، كانت قد استطاعت من خلاله أن تتواصل مع العرب والإسرائيليين معاً. عامل اخر أيضاً ادى إلى انتهاء العصر الاميركي، وهو فشل الأنظمة التقليدية في مواجهة تنامي الاصولية الإسلامية، فيما انتظر الأمريكان حتى وقوع هجمات 11/9/ 2001م، لكي يتأكدوا من أن المجتمعات المغلقة باتت تشكل الحاضنة الاصولية، إلى ذلك ساهمت العولمة في تغير المنطقة، حيث بات من السهل للأصوليين الحصول على التمويل والأسلحة والمتطوعين، والافكار، فيما ساهم الإعلام الجديد، بعد انتشار الفضائيات في تحويل العالم العربي إلى قرية اقليمية مسيسة، حيث بدأت الشاشات تبث مشاهد العنف والدمار في العراق، وسوء معاملة السجناء العراقيين والمسلمين والمآسي في الضفة الغربية، ما أدى إلى زيادة المسافة بين شعوب المنطقة والولايات المتحدة . وهكذا باتت حكومات المنطقة تواجه صعوبة في التعاون مع الولايات المتحدة التي بدء تأثيرها يتضاءل، وانعدام الثقة بالولايات المتحدة من زرع الديمقراطية في المنطقة. وربما نحن اليوم بصدد تشكيل العصر الخامس والسادس من عصور الولايات المتحدة في المنطقة خصوصاً بعد الربيع العربي وتغير كثير من الأنظمة وظهور ما يسمى بالدولة الإسلامية "داعش" بشكل غير طبيعي في المنطقة، انتهائه بيد الحشد الشعبي في العراق ،واليوم امريكا تعد إلى تنزيل الجيل الثالث من القاعده وخاصتا بعد ورود معلومات ،عن تحالف جديد بين امريكا وطالبان ،وهذا يعد خرق اخر ،وخطر على المجتمع الدولي...
...
https://telegram.me/buratha