كندي الزهيري
تعد احداث 11/أيلول من اهم الدوافع التي دفعت بالولايات المتحدة لصياغة واطلاق مشروع الشرق الأوسط الكبير حيث كانت تؤّمن الإدارة الأميركية مصالحها من منطلق عاملين اساسين: الأول وجود ما يمكن أن نسميه اصدقاء مقربين للولايات المتحدة بالمنطقة، والاخر قيام الادارة الأميركية نفسها من خلال اجهزتها بالتغلغل تحت مزاعم التعاون ومساعدة المجتمعات العربية على النهوض والتنمية في شكل ما يعرف برامج المعونة الأميركية وغيرها ،
اما العامل الثان ؛ اعتقاد الأميركيين أن العرب والمسلمين وراء هذه الاحداث يمكن القول أن واشنطن لم تعد تثق في قدرة النظام الرسمي العربي على حماية مصالحها وأن تأمينها بالخارج امر لم يعد يجدي وحده مما حدث من اعتداءات في سبتمبر داخل الولايات المتحدة المفتعل ، وهنا حجة للانتشار في الشرق الوسط .
صورة امريكا ان القاعدة هي نتاج للازمات الداخلية العربية، وانها بمثابة الكرة الملتهبة التي القت بها الحكومات العربية في وجه العالم الغربي، وبالتحديد الولايات المتحدة، وأن السلاح الانجح في مواجهة الارهاب هو رمي الكرة مرة اخرى إلى الشعب العربي والقيام بضغوطات حقيقة من اجل تغير الأوضاع . متناسين بأن اميركا لعبت دوراً اكبر من دور العربية السعودية فيما يتعلق بالأصولية السياسية لأسامة بن لادن ومنظمته ، فالجهود الأميركية التي بُذلت لحشد النشطاء السياسيين المسلمين عبر العالم باسم الجهاد ضد الشيوعين الكفرة في افغانستان كانت سبباً اساسياً في النجاح الباهر لهذه الجماعات التي ساهمت في النهاية بتشكيل القاعدة، وحتى الدور الذي لعبته بلدان مثل السعودية ومصر في المساعد على تجنيد مثل هؤلاء، كان استجابة لرغبات الولايات المتحدة الأميركية حصرا .
اضافت احداث 11/أيلول ابعاداً جديدةٍ للصورة الانطباعية السلبية للعرب والمسلمين في الذهن المواطن الغربي، ومن بين ابعادها أن هؤلاء يمارسون الارهاب بدافع عقيدتهم الدينية وتخلفهم الحضاري.
القى الرئيس الاميركي جورج بوش خطاب الاتحاد في 2002م، تحدث فيه عن محور الشر الذي يضم أيران وكوريا الشمالية والعراق، وردد الرئيس الاميركي كلاماً يشير بوضوح إلى ضرورة شن حروب وقائية ضد هؤلاء ، وهي ما تُرجمت فعلا على الارض بالحرب على العراق، استغلال ادارة بوش لكلمات، الارهاب ومحور الشر، من اجل احكام غلق الابواب لاحتمالات قيام مناقشات ذكيه، بشأن الاستراتيجية الأميركية، وكونت ادارة بوش، تعويذات لفظية من العوامل الجوهرية للتوافق الأيديولوجي الاميركي .
كانت سياسة بوش اتجاه العراق مبنيه على اساس العقوبات الذكية التي كانت تهدف إلى احتواء النظام العراقي، وليس الإطاحة به. لكن وجهة النظر تغيرت بعد احداث 11/أيلول، اذ اصبح على قناعة بأنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تنتظر ضربه اخرى، وأن التهديد الذي يفرضه صدام حسين اصبح محدقاً، وهذه القناعات احدثت تحولاً في سياستها ضد حليفهم صدام .
إن استراتيجية المحافظين الجدد الذين استولوا على القرار السياسي الاميركي بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر،تهدف إلى اعادة تشكيل الشرق الأوسط وتغيره ليتلاءم مع القرن الحادي والعشرين ،
لتمثل تلك الاحداث فرصة حقيقة لهم وترويجهم لفكرة الحرب على العراق، لأنها تمثل عامل جوهري من عوامل كسب الحرب على الإرهاب.
ذلك الفشل والرياء ترجم على ارض الواقع بعد غزو العراق والفشل في العثور على اسلحة الدمار الشامل، لتتحول الدوافع بعد ذلك بدوافع الديمقراطية وحقوق الانسان ،مع العلم بانهم هم من امرو صدام بقتل العراقيين،
لتتجه الولايات المتحدة نحو سياسة دمقرطة الشرق الأوسط الكبير، ولكن بمعان اخرى أوسع شمولا .
وقد يكون النفط واستمرار تدفقه للولايات المتحدة أحد تلك المعاني، الصدد كتب دونالد كاغان قائلاً:" على الاغلب سنحتاج إلى وجود عسكري مكثف في الشرق الأوسط لفترة طويلة، وأي تعثر لتدفق النفط سيؤدي إلى عواقب اقتصادية وخيمة، ووجود قواتنا في العراق كفيل بمنع أي توقف للإمدادات النفطية" .
انتج الاعتداءات على امريكا في ذلك اليوم، اتجاهان :
الأول: يرى انها لحظة فارقة ادت إلى تشكيل سياسة خارجية اميركية جديدة ذات معالم مختلفة عن تلك التي كانت من قبل.
أما الثاني: يؤكد انها لحظة كاشفة، بمعنى أن السياسة الخارجية الأميركية بعد الاحداث لم تكن جديدة، فقد كانت اسس هذه السياسة موجودة بالفعل وكل ما فعلته تلك الاحداث انها كشفت ذلك الزيف وقدمتها للعالم في صورتها الحقيقية،
كسياسة تنزع بشده نحو الهيمنة على مقدرات عالم ما بعد الحرب الباردة، وبعيداً عن ذلك الخلاف فإن تلك الاحداث انهت بما يعرف بنظرية (الاستثناء الاميركي)، وقد ادت إلى تغير واقعي في السياسة الخارجية الأميركية.
وتمثل هذا التغير في جانبين، الأول خاص بمفهوم الامن القومي الذي اصبح غير قادر على حماية الداخل الاميركي، الأمر الذي أدى إلى تطرف السياسة الأميركية وسيطرة المحافظين الجدد على القرار الاميركي، وسعيهم لتعميق الهيمنة الكونية.
اما الثاني نحت الادارة الأميركية بتفسيرها لتلك الاحداث بمنحى، أن تلك الاحداث وقعت بسبب غياب الديموقراطية في دول الشرق الأوسط . ومن هنا صارت لديها قناعه بضرورة تغير النظم السياسية ، وهو ما تجلى بمشروع الشرق الأوسط الكبير.
ولهذا يعد مشروع الشرق الأوسط والحرب على العراق وافغانستان، ردة فعل على تلك الاحداث، بتبريرات الحرب على الارهاب ونشر الديموقراطية وحقوق الانسان واسلحة الدمار الشامل، فتلك الاحداث غيرت الفكر الاستراتيجي الاميركي لعقود قادمة من الزمن تسربت منها فلسفة الحرب على الارهاب ومفرداتها إلى مجمل السياسة الأميركية، واعادت موضوع ربط الإسلام بالفاشية. لتنتج عن تلك الفلسفة الأميركية مشروع ديموقراطي شرق أوسطي .لكن هذه المرة بعنوان الفوضى الخلاقة.
...
https://telegram.me/buratha