محمود الهاشمي
لم تشعر (امريكا ) ب(الغربة) في المجتمع الدولي مثلما هي عليه الان ،حيث بدت وكأنها عاجزة ان تلحق أياً من (الأصدقاء) معها في اي مشروع تدعو له ،سواء كان أمنيا او اقتصاديا او سياسياً!!
هذه المسألة لم تعتدها امريكا منذ ان ظهرت كقوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية ،فقد استطاعت ان تهيمن على القرارات الدولية حتى في ظل التنافس مع قطب الاتحاد السوفيتي ،لما تملك من قوة اقتصادية كبرى مدعومة بحماية عسكرية فاعلة وسياسة نشطة
تتدخل من خلالها بتفاصيل سياسات الدول الأخرى ،وهذا لم يأت جزافاً إنما في حروب خاضتها وأموال أنفقتها وخسائر في الأرواح والمعدات حيث عملت على منع حركات التحرر وخنقت إرادة الشعوب عبر القتل والتدمير والحصار واستخدام كل أدوات القهر والاستبداد.
لم نسمع يوما ان مسؤولا أمريكياً يدعو الى التفاوض الاّ بعد ان بستنزف خصمه ويجعله بين خيار الانهيار التام او الرضا بعد قبول الإملاءات .
في كل هذه المخاضات كان الغرب لصيقاً لها في الحرب والسلم،ومطبقا لمشاريعها التآمرية وان كل الحركات اليسارية التي نشطت في فترة أما في دول اوربا وأمريكا اللاتينية واسيا وأفريقيا وغيرها كان مصيرها التآمر والقتل والهلاك ،وترك مصير الشعوب بيد حكام ضعاف لايملكون ما يدفعون به الضر عن أنفسهم وليس عن شعوبهم !!
امريكا (الان)تدخل مرحلة جديدة من الانحسار والتراجع ،وقد تجلى ذلك في سلسلة الدعوات والإجراءات التي قامت بها دون ان تلقى تجاوبا او تفاعلا مع المجتمع الدولي أولا ومن (الأصدقاء ثانيا) فأين يكمن السر ؟
لقد ألغت امريكا في عهد ترامب عشر معاهدات واتفاقيات مع دول العالم ،وأهملت اتفاقيات كبرى مثل (حلف الناتو )وباتت ترى في اوربا (حملا ثقيلا )عليها ووصفها ترامب ب(القارة العجوز)وبات يتآمر على (الاتحاد الأوربي )ويرغب بفصل دوله عن بعضها ،وبات يرى في اوربا الشرقية مجرد عنوان لاتصلح لأي اتفاق او معاهدة وحلف بعد ان أنهكتها الحروب الداخلية والتجزئة،فتركها للصين تتمدد عليها دون التمكن من إيقاف ذلك ،خاصة وان هذه الدول لها ثقافة شيوعية على مدى عقود !!كما ان اوربا الوسطى أعلنت موقفها الصريح بالعلاقة مع الصين .
اكثر منطقة ظهر فيها ضعف القرار الاميركي هي منطقة الشرق الأوسط ،حيث أشبعها الرئيس الاميركي ترامب دعوات دون استجابة تذكر ،من مؤتمر وارسو الى حلف الدول التسع (دول الخليج +المغرب والأردن +امريكا)الى جعل القدس عاصمة لإسرائيل الى حلف الستين دولة لحماية الملاحة بالخليج !!
ولنقف قليلا عند الدعوة الأخيرة (حلف حماية الملاحة في الخليج )حيث كان ترامب قد أكد على انه في الطريق الى تشكيل حلف من ستين دولة لحماية الملاحة بالخليج ،فاصطدم بان اول دولة صديقة ترفض الدعوة هي (اليابان)ثم تبعتها دول اوربا !!
بعد ذلك وعلى متن سفينة حربية بريطانية راسية في موانيء البحرين قدمت امريكا طلبا لممثلي (٢٨) دولة للانضمام الى هذا الحلف ،والملاحظ ان العدد نقص دون النصف أولا ثم ان ألمانيا وفرنسا لم تحضرا الاجتماع
(سعيا للنأي بالنفس عن ترامب الذي كان قد انسحب سابقا من الاتفاقية النووية الموقعة مع ايران )!!
أربعة دول هي التي وافقت (بريطانيا استراليا والإمارات والسعودية) ترى من هي الدول (الستين)التي كان يرغب ترامب مفاتحتها ومن هي الدول ال(٢٨)التي تسلم ممثلوها الرسائل الاميركية ورفضت اغلبها ؟
ان تتابع الضربات على مصالح الدول الصديقة لأمريكا مثل (حرق الناقلات والمواقع النفطية في السعودية واستهداف مطار دبي ورد حزب الله على الاعتداء الاسرائيلي وتوالي سقوط صواريخ حماس على إسرائيل )ناهيك عن سقوط الطائرة الاميركية المسيرة دون رد أمريكي ،خلق ثقافة لدى الأوساط العامة لأصدقاء امريكا في المنطقة (ان امريكا لم تعد كسابق عهدها )ولابد من اعادة النظر بالعلاقة معها ،وهذا ماشهدناه خلال استضافة العديد من نخبهم عبر الفضائيات وعبر تغريدات المواطنين !! هذه (الثقافة)بدأت تتحول الى مواقف ،حيث ادرك الجميع ان امريكا لاتنظر في العلاقة سوى الى (الحقيبة) التي تحوي المال فمثلا حديث ترامب الى ولي عهد البحرين خلال زيارته لواشنطن بالقول (البحرين تمتلك ٧٠٠مليار وهذا كثير وسيزداد في السنوات اللاحقة)فيما لايملك ولي العهد سوى الرد(نعم هذا مال كثير )!! ان مثل هذه الحوارات والاستخفاف كثيرة على لسان ترامب مع الملوك والأمراء الخليجين ،فذهبت الكويت باتجاه الصين وسيلتحق بها آخرون !!
السؤال :-من بقي لأمريكا من الأصدقاء في الشرق الأوسط ؟ هذه هي دول الشرق الأوسط وبالإمكان احصائها والبحث لأمريكا عن صديق واحد ! ؟
الأسباب وراء فقدان الأصدقاء بالنسبة لأمريكا كثيرة ،ولكن في مقدمتها ان امريكا ليس لديها (عقيدة حاكمة)إنما هي دولة تعتمد على خلق الأزمات وإدارتها بما تملك من اقتصاد وقوة عسكرية وجهاز مخابرات واسع وخبرة متراكمة ،والتعامل بقسوة ضد خصومها .
وإذا كان البعض يعتقد ان الصين ونهضتها وراء التراجع الاميركي مدعومة بقوة عسكرية روسية
فان الرقم الأول لهذه المعادلة هو (ايران) !
والسؤال:- ماذا لو استجابت ايران للضغوط الاميركية ورضخت لشروطها ؟
لاشك ان المعادلة ستتغير كثيرا ،فإيران في موقعها وثرواتها الاقتصادية والبشرية وسعة ارضها وتطورها الحضاري وتأريخها ،تمثل عنوانا كبيرا في المنطقة !
الذي جعل ايران قوية هو (عقيدتها الإسلامية الحاكمة)فلم تنهار يوم انهار الاتحاد السوفيتي ومن تبعه ،ولم تستسلم للتفرد الاميركي وحصاره الجائر ،بل عضت على جرحها وصبرت وكابرت على مدى أربعين عاما من عمر الثورة ،لتشكل سدا مانعا لكل المخططات الاميركية ،في المنطقة وتمنعها من الوصول الى أهدافها الشريرة ،بعدان تمددت الثورة في بعدها الإسلامي وأصبح لديها عمق استراتيجي من روح المقاومة والمواجهة ،وفي هذا تكون القيادة الإسلامية قد هيأت نفسها ل(المنازلة)على مدى عمر الثورة مع خصمها (الشيطان الأكبر )امريكا ،وارتقت الى مستوى التحدي ،فيما عجزت امريكا بكل خيلائها وقوتها ان تهاجمها ،فرفعت قبعتها مطالبة ب(التفاوض)والذي رفض لان فيه (مذلة)وهم من رفع شعار (هيهات منا الذلة)
إذن (الإسلام) هو الذي اسقط الحسابات الاميركية وهو وراء صناعة دولة قوية صابرة
لتتحطم الامواج الاميركية على صخرة صمودها !
وعندما نقول الإسلام لايعني في بعده الشعوري فقط إنما الحضارة والبناء والرقي والعلوم والمعرفة ومصاحبة الدول المتقدمة ،وهذا ما أوقف الجبروت الاميركي عند حده لان سقوط الطائرة المسيرة الاميركية وغيرها هو الذي جعل البنتاغون يؤكد (لانريد الحرب مع ايران وندعوها للتفاوض)!!
ان الإسلام وراء شعور امريكا ب(الغربة )في المجتمع الدولي عموما والشرق الأوسط خصوصا ،فقد تأكدت انها خسرت جميع اوراقها وليس لها الاّ الهروب من حيث أتت ،فأنصار الإسلام منتشرون على مساحة الكرة الأرضية وداخل امريكا وكما اكد مستشار السيد الخامنئي اللواء يحيى صفوي ان حلفاء طهران في المنطقة باتوا أقوى من حلفاء امريكا الاقليمين (فأين تذهبون )؟
https://telegram.me/buratha