سعد الزيدي
تكرر في الإِعلام وعلى لسان دولة رئيس الوزراء، في معرض حديثه عن العلاقات مع الصين، وخلال زيارته الحالية لجمهورية الصين الشعبية ذكرٌ ( طريق الحرير) .
تاريخيا هذا التسمية كانت تطلق على الطريق البرية للقوافل التجارية بين اقصى الشرق في هضبة التبت من بلاد الصين أو بلاد ما وراء النهر وبلاد الحجاز من جزيرة العرب والشرق الأوسط واليمن وسواحل الخليج وبحر العرب عبر ايران وانطاكية والعراق والشام وكان هذا قبل وبعد ظهور الإسلام وكان في العراق لهذا الطريق اكثر من محطة وتبادل تجاري واسع .
تراجع هذا الخط التجاري البري بعد تطور الطرق البحرية وقلة كلفها وحلول السفن البخارية بدل السفن الشراعية .اليوم يفعل كمفهوم تجاري بعد تبني حكومة الصين سياسة البحث عن الأسواق التجارية في الشرق الأدنى والاوسط لتصريف منتجاتها الصناعية ويصطلح على تحول الجغرافي للتفاعل الاقتصادي العالمي لصالح الشرق بعد أن احتكر الغرب الاستعماري التجارة مع الشرق الأوسط وبلدان اسيا الوسطى واشبه القارة الهندية ردحا من الزمن .
العراق اليوم يُعد سوق كبيرة جدا فهو في مرحلة إعادة البناء لما دمرته الحرب مع داعش ،والاعمار والتطوير في كل القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، وأصلاح وتطوير البنى التحتية المتهالكة واستثمار المشاريع المتوقفة، وعملية توفير الاحتياج المتزايد لكل المنتجات والوسائل الخدمية، مثل سد النقص الهائل في مشاريع قطاع السكن والمدارس وإنتاج الوحدات الكهربائية وتوزيعها وعملية استثمار مشاركة في مشاريع الخدمات وتوسيعها والمعامل الانتاجية المتوقفة وبناء الجديد من المشاريع الزراعية والصناعية بالتعاون مع القطاع الخاص لسد الاحتياج المحلي وتقليص نسبة البطالة المرتفعة جدا واخيرا فلا بأس بالتصدير.
هذا بأجمعه من جهة ومن جهة أخرى العراق تأخر زمن طويل في تنفيذ المشاريع التنموية نتيجة الاحداث الداخلية من الحرب ضد الإرهاب والاضطرابات وغيره وانخفاض أسعار النفط وتكاليف الحرب والاخطاء التي اُرتكبت في السنوات الأخيرة في عملية التخطيط والتنفيذ وقلة الاستثمارات الأجنبية نتيجة الوضع الأمني وظاهرة الفساد ومحدودية القطاع الخاص وحاجته للمساعدة في للوصول الى مكانته الواجبة في العملية التنموية .
بناءأ على هذه العناوين أصبح العراق سوق كبير فعلاً بحجم احتياجاته وعدد سكانه. يضاف الى ذلك هو أمام استحقاقات طال انتظارها ويفترض أنه عارف بكل ذلك وعارف امكاناته المادية المحدودة وغيرها وهنا ملاحظة مهمة يجب على جميع السلطات أن تكون عارفة بهذه الحقائق وعارفة بمتقلبات السوق العالمية وطبيعة التعامل مع الشرق والغرب والشمال والجنوب ليسهل التعامل والتعاون مع الغير في التنفيذ . ويفترض أنه عارف أن يحسن اختيار الأنسب في التعامل .
من هنا فأن توجهات قيادة العراق الاقتصادية في البناء والاعمار لتنفيذ المشاريع العملاقة بعد الاستعدادات الأخيرة من صدور حزمة من القوانين والأنظمة الاقتصادية وتحسن الوضع الأمني والتقدم في محاربة الفساد أصبح هذا التوجه ضرورة ملحة غير قابلة للتأجيل وأما كون التوجه باتجاه الصين ضرورة أٌخرى تمليها عدة أسباب سوف نوجزها فيما بعدُ الإشارة الى المتسرب من اخبار زيارة السيد رئيس الوزراء والوفد الكبير المرافق له من كونها ذات ابعاد شمولية ودراسات دقيقة ومشاريع محددة بدلالة التنوع في محطات وبرامج الزيارة وآليات الحركة باتجاه الحسم السريع ،كل هذه المتغيرات تؤكد بأن هناك توجه حقيقي سبق الاعداد له منذ فترة وتم اختياره من مجموعة خيارات .
أذن كل هذا الحراك له ما يبرره ومن بين المبررات أولاً حاجة العراق الى السرعة في التنفيذ والضمان من حيث التلاعب المتنوع في المدد الزمنية والنوعية والغش الخفي وافلاس الشركات وحاجة العراق الى المركزية في القرار من جانب الضامن وهو الحكومة الصينية ووحدة أو تشابه الإجراءات في التعامل لعدد كبير من المشاريع وهذه المتغيرات متمركزة ومتشابهة لدى الشركات الصينية وبضمان حكومي ما ينعكس في الاستمرارية والطمأنينة وبالتالي تخفيض الأسعار ونقل التكنولوجيا المتطورة من البلد الأم المورد أي هو صاحب حق المعرفة(know how ) وليست وسيط ليس له الحق بنقل التكنولوجيا الى العراقيين ونحن في زمن التسابق المعرفي وامتناع كثير من الشركات الغربية في إعطاء حق المعرفة وكذلك التدريب المتقدم والمتطور وإقامة الورش والمعامل لصناعة قطع الغيار .ثانياُ الضمانات السيادية المتبادلة وقبول الجانب الصيني بالتسديد من اثمان النفط المباع الى الصين وهي واحدة من معوقات الاستثمار الأجنبي في العراق.
ومن اجل ذلك ولغرض توفير الضمانات اللازمة لدخول الشركات الصينية للعمل في العراق كان الوفد الزائر قد انهى عملية توفير الأتمان المالي بمبلغ عشرة مليارات دولار من شركات صينية حكومية ممولة ووقع العراق من جانبه بضمان التسديد من أقيام النفط المباع الى الصين .
ثالثاً تنفيذ مشاريع البنى التحتية المتهالكة والمشاريع الكبرى هذه المشاريع تحتاج الى ترابط بين الشركات المنفذة أي وجود غرف عمليات مشتركة، مما يقلل التصادم والتداخل وعدم التواشج ويسرع التنفيذ، رابعاً التعامل مع جمهورية الصين يعني تقليل الاحتكار الغربي والضغوط التي يتعرض لها بلدان العالم الثالث، خامساً الشركات الصينية قليلة المطالب وتعرف السوق العراقية وسبق لها تنفيذ مشاريع كبرى في العراق.
ولذا فمن المؤكد أن هناك دراسة استراتيجية شاملة ومتفرعة اعتمدتها الحكومة في هذا التوجه الذي يبدو ان اساسياته مع الجانب الصيني قد اكتملت، وهو يتطلب من الجانب العراقي في المرحلة الثانية أي مرحلة التنفيذ شد الحزم وشحذ الهمم للتعاون في تنفيذ جميع التزامات الجانب العراقي هذا من جانب ومن جانب اخر تخطي ما يعاني منه الواقع من فساد وقلة معرفة وتخبط واتهامات بعدم النزاهة فأن الواقع سجل جملة سلبيات تمنع التنفيذ مثل تتضاءل نسبة النضوج والحرص الوطني وعرقلة التنفيذ من قبل ضعاف الانفس وكون القطاع الخاص يحتاج الى الحرص والتخلي عن الكسب غير المشروع ،كما أن الحراك السياسي المضطرب يعرقل التنفيذ ،ووجود الفساد يختلق الأسباب في عدم تأييد هذا التوجه للسير بأسرع ما يمكن لتنفيذ المشاريع التي تم وسيتم توقيعها واستثمارها بشكل امثل في فروع التنمية كافة ومعالجة التخلف عن ركب التطور العالمي في كل ما يخدم الحياة اليومية .
https://telegram.me/buratha