المقالات

الاصلاح السياسي في العراق


ابراهيم العبادي

 

أختلف تعاطي القوى السياسية العراقية مع التظاهرات التشرينية ،بين خائف مترقب ،ومرحب بخفاء ومستثمر بدهاء ،فالكثير من القوى السياسية الشيعية لم تخف قلقها ودهشتها من الفعل الاحتجاجي  الغاضب السريع الذي اجتاح شوارع نصف المحافظات العراقية ،سيما وان هذا الاحتجاج اشر بوضوح تام على مسؤولية هذا القوى التي ادارت السلطة والاقتصاد في  ماوصلت اليه البلاد بسبب اخطائها وفشلها وعجزها ومحدودية خبرتها ومدركاتها ، قلق الزعامات والفاعليات الشيعية وصلت اصداؤه الى الشارع وظهرت نتائجه في طبيعة الاجراءات المتخذة ابان وقوع التظاهرات ومابعدها ،وفي طبيعة التصريحات والخطابات السياسية التي رافقتها ،فالاعم الاغلب كان يرجو ان تهدأ الامور ويستجاب للمطالب حكوميا  ولم يتأخر البعض الاخر في الاعلان عن الانحياز للمتظاهرين والتحذير من المندسين ،وهمه الاكبر ان لايفلت من بين يديه زمام شطر من الشارع المحتج ، الذي تجاوز جميع الزعامات والشعارات والمؤسسات السياسية ،الشطر الاخر من القوى الشيعية كان متأهبا للدفاع عن مكاسبه السياسية والمالية ،  ومستعدا للانخراط في المشروع المضاد للتظاهر  ، ولو باللجوء الى العنف والاستفادة من التجارب والوصفات الناجحة بدعوى ان محركات التظاهر كانت مشروعا انقلابيا مدعوم امريكيا ،  وان ناشطيه معروفون بالانتماء الى المعسكر المدني الذي هو  امريكي بالتعريف الاسلاموي .

سنيا لم يظهر رد فعل واضح للفاعليات السياسية ازاء التظاهر ،الا ان الخطاب الضمني المفهوم كان يشي بالارتياح للتظاهرات بأمل ان تشكل ضغطا كبيرا يضعف هيمنة القوى الشيعية على مفاصل الحكم والقرار السياسي والامني ويسمح لاحقا للقوى السنية بتطوير  خطاب تحسين المواقع ، والحصول على امتيازات وتنازلات في بنية السلطة والدولة عموما ،ولتحشيد المزيد من الادلة على سوء ادارة الفاعل السياسي الشيعي وتشظي سلطاته وارتهان قراراته وهيمنة الاخرين عليها .مايؤكد  هذا المنطق هو عدم امتداد التظاهرات الى المناطق السنية ونأي الشارع السني عنها ، والاكتفاء بالمراقبة والتأييد الاعلامي .

اما كرديا فان الاقليم ظل مرتاحا لما يحدث في الوسط والجنوب للتدليل على سوء الادارة والسياسة،  وعدم الاستقرار المزمن وحاجة الكرد الى الخلاص من هذا الواقع المرير بأحماء مطلب الاستقلال والانفصال او على الاقل جعله حيا وشاخصا في الاجندة والبازار السياسي ،فما حاجة الكرد للبقاء ضمن دولة مركزية يتصارع اقطابها وشعبها وتعصف بها الازمات من كل جانب ؟  ويتهددها القلق الامني والاحتراب الواسع ؟  .الكرد في موقفهم الداخلي اكثر استبشارا من السنة بما جرى ويودون لو تستمر التظاهرات لارخاء قبضة السلطات في بغداد اكثر ، وان كانوا يقلقون من دعوات تنقيح الدستور وتعديله لئلا يخسروا مكاسبهم الكبيرة ،لكنهم مطمئنون الى حدكبير الى قدرتهم على احباط اي مسعى من هذا النوع يقلل من امتيازاتهم الهائلة ، حتى لو نجح البرلمان في وضع مشروع تعديل الدستور موضع تنفيذ .

مالم تدركه القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية مجتمعة وهي التي حكمت البلاد وباءت بسوء افعالها ومواقفها  ،انها امام منعطف كبير وخطير وهي تواجه ولادة وعي سياسي وارادة شبابية على قطيعة تامة مع هوية ومتبنيات الجيل السياسي القديم والراهن ،هذه القطيعة ستؤسس لمايمكن تسميته المرحلة الجديدة في نضال  الحركة الوطنية العراقية التي تريد لم شتات العراقيين وتجميعهم في هوية وطنية واحدة تسعى لبناء دولة جديدة بلا خطوط طول وعرض مذهبية او عنصرية او قومية متطرفة ،العراقي الغاضب بعمر العقدين او اقل لايحمل في عقله تراث الحركات السياسية والحزبية والفصائلية العراقية التي تسيدت تاريخ مائة عام من عمر الدولة العراقية بكل اخفاقاته ونتوءاته ،جيل التظاهرات التشريني جيل ساع الى التحرر من ربقة مساويء الحزبية والزعاماتية العراقية بكل تلاوينها ،انه جيل يجرب صيرورته من خلال الصراع ، ويسعى الى فرض ارادته للخروج من الانسداد السياسي الذي صنعته الزعامات والاحزاب المتنافسة على سلطة وثروة البلاد ،وسواء اتفقنا مع هذا الجيل او لم نتفق ،غالينا في نظرتنا اليه ام لم نغال  ،فهمناه كما هو ام كما نشاء نحن وكما يحلو لنا توصيفه وفهمه ،لكنه في كل الاحوال وضع الطبقة السياسية امام مفترق الطرق اما الاصلاح والاستجابة الواعية والاستعداد لهذا التغيير المجتمعي بفهم سياسي نفسي ، اجتماعي ظاهراتي  ، طبقاتي  اقتصادي ،او انتظار انهيار  النظام الذي بقي متكلسا جامدا عديم الفاعلية ،وهي نتيجة معروفة لكل نظام يصل الى هذة المرحلة . فمالم يصلح النظام نفسه سلميا ويستوعب رسالة الاحتجاج ،فان شعار التظاهرات  سينقلب   الى الانقلاب الشامل بدل الدعوة الى الاصلاح السياسي ، فالجمهور الغاضب لم يناد باسقاط النظام حتى الان ، بل طالب باصلاحه، والفرصة ماتزال متاحة ، ان امتلكت الطبقة السياسية الحكمة الضرورية للابقاء على الوضع تحت السيطرة ولقيادة التغيير باقل الخسائر

ــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك