كاظم الخطيب
الأحزاب السياسية: هي تلك العوالق اللزجة التي تلتصق بكل شيء يخص المواطن، وهي من العوالق الضارة عادةً، إذ تقدم مصلحتها الحزبية على الدوام وفي أحلك الظروف على مصلحة الوطن والمواطن، وقد تحلى كثير من هذه الأحزاب بصفة حربائية، وليونة زئبقية؛ فهي تحاول دائماً أن تتلون بألوان كأنها الوطنية، وتتخذ شكلاً مشابهاً للمواطنة، لتكون لصيقة بالمواطن ومحيطة به من جهاته الأربع.
عندما سقط نظام البعث الفاشي.. تصدرت هذه الأحزاب الواجهة السياسية، وتبنت الشأن العراقي بشكل مطلق( فلاحة ملاجة) ودون دعوة من أحد، ما خلا دعم أمريكي، وتأييد شعبي فئوي، وقد عملت هذه الإحزاب على تغذية الحس الطائفي، و وتنمية النزعة القومية لدى مؤيديها، مما خلق جواً مشحوناً بالعداء والكراهية، والذي أسهم في تمزيق النسيج الوطني، وإضعاف أواصر اللحمة الوطنية، وتوالت مصائب الأحزاب تتساقط كالمطر على ضفة المواطن، الموازية للضفة الملكوتية الخضراء لتلكم الأحزاب، فقد أمطرتها بوابل من البلايا، وسجيل من الرزايا، بدعوى دفاع أحزاب سنية عن حقوق أهل السنة، ودفاع أحزاب شيعية عن حقوق الشيعة، ودفاع دعبول وأمثاله عن شرب الخمور، والدعوة لممارسة ألوان الفسق والفجور ، فيما ذهبت أحزاب كردية إلى أبعد من ذلك بكثير، بحيث عملت جدياً على الإنفصال عن العراق، من خلال إستفتاء مشؤوم، كاد أن يجر البلاد إلى كارثة خطيرة، وقد أدى هذا السلوك السياسي الذي تبنته الأحزاب إلى تدهور شامل في جميع المجالات العامة والخاصة، حتى وصل الأمر إلى إحتلال البلاد، وقتل وتهجير العباد، عندما سقط ثلث الأراضي العراقية بيد الدواعش، شذاذ الآفاق، ونواة الكفر والنفاق، حينها بادرت أحزاب سنية بسرقة المخيمات ونهب مستحقات النازحين، فيما قامت أحزاب شيعية، بأخطر مؤآمرة؛ وهي تسييس الحشد الشعبي، الذي إنطلق بفتوى قدسية وطنية شريفة، فأخذ قادة الأحزاب والكتل هذه المرة يتلونون بألوان جهادية، ليصادروا شرفية الحس الوطني لدى المجاهدين، فيما أصبحوا هم أمراء حرب لا يمتون لفتوى الجهاد بصلة، ما عدا بعض الفصائل التي لم تتحزب، وبقيت تحت مظلة المرجعية المباركة.
عندما تم النصر على دواعش الكفر والإلحاد، تنافست هذه الأحزاب على إستقطاب دواعش البعث الكافر، لتقوية جبهتها السياسية، بدعوى عبور الطائفية، ولم تراعي في ذلك حقوق الأرامل والأيتام التي خلفها نظام البعث في سني حكمه، وبعد سقوط صنمهم المقبور، فقد منحت إمتيازات خاصة، ورواتب خيالية لسفاحي البعث، وسائحي رفحاء، في صفقة فريدة من نوعها، عندما تصالح الضحية والجلاد- فدائيوا صدام ومجاهدوا رفحاء- على حساب الشرفاء من أبناء هذا الوطن، والعمل على حرمان المواطن الشريف من أبسط حقوقه، في العيش الكريم الذي كفله له الدستور العراقي، واليوم وعندما طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، وثار الشعب على ظالميه، وبرزت نوعية شعبية جديدة لم تألفها هذه الأحزاب، والتي تمثلت بشباب ثائر على كل ما هو حزبي، ناقم على كل ما هو فاسد، حينها تلونت هذه الأحزاب بألوان شتى ليوهم كل منها أولئك الشباب بأنه إلى جانبهم، وهو الحزب الوحيد الذي يحرص على ضمانة حصولهم على حقوقهم المسلوبة، التي سلبت من قبل هذا الحزب نفسه مع باقي الأحزاب الأخرى.. وقد إتخذ بعض هذه الأحزاب في حكومة السيد عادل عبد المهدي، خيار المعارضة، ولست أدري معارضة من لمن؟
لكنها معارضة..! .
وقد إستبشر بعضهم بهذه الخطوة خيراً، وعدها دليل عافية سياسية من شأنها تعزيز الثقة في السلوك السياسي الذي تبنته هذه الأحزاب.
إلا إن هذه المعارضة لم تقدم للمواطن شيئاً يذكر، سوى محاولات واضحة، لتعرية رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي؛ ذاك الذي كان على الدوام في مقدمة رجالاتها، من نخبها السياسية الفذة.. واليوم وبعد أن أصبح ركوب الموجة هو الأسلوب الأمثل، لإيهام الشارع بأن المتباكون على سمعة الشباب الثائر، هم على ضفة المواطن، من خلال إلقاء اللائمة على رئيس الوزراء الحالي، ومحاولة التنصل من تبعات فسادهم، وإفسادهم، وقيامهم على مدار ستة عشر عاماً بشل حركة نهضة البلاد، وسرقة خيرات العباد.
وعلى الرغم من قناعة كثير منهم بأن هذه الأوهام، وتلكم الترهات، قد أكل عليها الدهر وشرب، وأنها لن تجد لدى المواطن صدىً، ولن تغير من صورهم الكالحة والراسخة في مخيلته شيئاً.. تلك الأحزاب والكتل السياسية التي لم يبد أي منها، في ما سبق من عصرهم الذهبي، إهتماماً حقيقاً يذكر بالمواطن، ما خلا أيام وليالي الأعراس الإنتخابية، التي كانت دائماً ما تتسم بمبدئية الناخب، وخيانة النائب.
بحيث يُترَك الناخب هو وهمومه مركوناً على الرفِ بعد نهاية كل موسم إنتخابي، حتى الموسم الإنتخابي القادم، فيما يتنازع النائب، على المناصب والمكاسب التي يمكن أن تحتويها سلته الانتخابية، على حساب عدد الأصابع البنفسجية التي كان يحدوها الأمل، بأن تجد الشرف والنزاهة، والأمانة والوطنية، في زمن غابت فيه مخافة الله، وخلا من الضمير الحي....
https://telegram.me/buratha