كندي الزهيري
لنفترض ان نظرية صراع الأجيال صحيحة. فكم جيلا لدينا الآن في المجتمع العراقي. اثنان ام ثلاثة ام أربعة ؟.وهل الصراع فيما بينها ..صراع قيم؟
القيم هي توليفة معقدة جدا من افكار،معتقدات،اتجاهات..قد يصل عددها المئات ،لكن يمكن ان نضغطها في ستة أصناف:
1. قيم سياسية.
2. قيم اقتصادية.
3. قيم نظرية.
4. قيم اجتماعية.
5. قيم دينية .
6. قيم قبائلية.
هذه الأصناف تتشكل في داخل كل فرد بمنظومة نسميها المنظومة "القيمية والاختلاف" بين الأفراد يكون في ثلاثة أمور:
الاول:ترتيب القيم من حيث قوتها:
الثاني:نوع وكم هذه القيم..عند أفراد تكون قيم أصيلة راقية ومتنوعة ، وعند آخرين تكون عادية ومحدودة .
الثالث:تفاعل القيم:عند افراد تكون العوازل بين اصناف هذه القيم شفافة تسمح بالنفاذ والتفاعل والانفتاح واستقبال قيم جديدة،وعند آخرين تكون أشبه بالكونكريت لا تسمح بالتفاعل ولا تستقبل قيما جديدة ،لكن بشرط النافع منها .
*آليات المنظومات القيمية:-
تعمل القيم في داخل الانسان بخمس آليات سيكولوجية – معرفية، هي:
الأولى: اصدار احكام بالتفضيل من عدمه. التفضيلات.
الآلية الثانية الأهم: تمتلك القيم قوة داخلية لا نشعر بها ولا تخطر على بالنا بالرغم من انها ،تتحكم بسلوك الفرد،وتحدد اهدافه وتوجهه نحو تحقيقها..لتصل بالنتيجة ان اختلاف الافراد في السلوك ناجم عن اختلافهم في القيم .
الآلية الثالثة: تعمل القيم على تزويد اعضاء المجتمع بمعنى الحياة، والهدف الذي يجمعهم من اجل الحياة.
الرابعة:للقيم علاقة بالتعصب بوصفها معتقدات..فغير المتعصب لمعتقده يقبل الآخر،والمتعصب لمعتقده يرفض الآخر وقد يؤذيه.(ما حصل بين عامي 2006 و2008 في العراق ،الذي اطلق عليه احتراب طائفي هو في حقيقته حرب معتقدات، تم تغذيتها بأيدي استعمارية، من خلال استخدام المتعصبين من الطرفين).
القيم..وصراع الأجيال
اذا اعتمدنا معيار علماء الاجتماع بان عمر الجيل يكون بين 30 الى 33 سنة ،فان لدينا الان في المجتمع العراقي ثلاثة أجيال:
الأول:جيل النظام الملكي والجمهورية الاولى،ولتكن سنة الأساس(1940)/ ( يعني المولودين بين سنتي 1940 و1970)
الثاني:جيل الحرب العراقية الايرانية والحصار ،وسنته الاساس(1970)،( يعني المولودين بين عامي 1970 و2000).
الثالث:جيل النظام الديمقراطي وسنته الأساس 2000
ومع ان هذا التقسيم الافتراضي لا يعني وجود حواجز ،فواصل،فيما بينها ،وان التداخل فيما بينها موجود خاصة في نهاية عمر الجيل وبداية عمر الجيل الذي يليه..فانه يمكن تحديد خصائص اساسية تميز هذا الجيل عن ذاك،وعلى النحو الآتي:
الجيل الأول:ان حجم هذا الجيل هو الأقل في المجتمع،وانه يعيش مرحلة الاحتضار،ويتوزع افراده بين ثلاث شرائح اجتماعية:
أ:سياسيون بيدهم السلطة والثروة
ب:متقاعدون بين ناشطين ومتفرجين ويائسين ،وضعوا المستقبل وراء ظهورهم.
الجيل الثاني:يمثل هذا الجيل الحجم الأكبر في المجتمع ،ويتميز بأنه ولد ونشأ في حرب امتدت ثماني سنوات،وحصار امتد 13 سنة،ويتوزع معظم افراده كالاتي:
أ.سياسيون في السلطة او في كيانات واحزاب سياسية
ب:موظفون
ج:عاطلون عن العمل
د.عاملون في اعمال حرّة
ه:منخرطون في قوات امنية،
الجيل الثالث: هذا الجيل في حالة نمو وتوسع عددي،ويتوزع معظم أفراده كالآتي:
أ.تلاميذ وطلبة ملتحقون بالمؤسسات التعليمية
ب.عاملون في سوق العمل
ج:اطفال شوارع )هنا تكمن الخطر ).
ان التشابه في القيم بين هذه الأجيال يشكل حالة ايجابية فيما اختلافها في القيم قد يؤدي الى صراع..أخطره حين تتعرض قيمه المشتركة اللاصقة التي توحده..الى التفكك..وتحديدا قيمة المواطنة.
بالمختصر تعني المواطنة الولاء الى الوطن والانتماء الى جماعة، وشعور الفرد بأن ما يصيبهما يصيبه واعتزازه بأنه ينتمي الى مجتمع تربطه به تاريخ،ثقافة،تقاليد..في وطن يوحدّهم..ويعتزون به.
فما الذي حصل لقيمة المواطنة في العراق؟
تعود بدايات التخلخل المؤثر للقيم العراقية الوطنية والاخلاقية الى عام 1980 بشن النظام الدموي حروبه الكارثية غير المبررة،التي اضعفت قيمة المواطنة تحديدا ،تلتها ضربتان موجعتان،الأولى جاءت من حفرة صدام لحظة كان يفلّي شعر رأسه الضابط الأميركي والثانية الأوجع جاءت من الحاكم الأميركي بريمر.
اما صدام فلأنه كان في الثمانينات قد اشاع بين العراقيين شعار (صدام هو العراق) ووضع علامة (=) بينه وبين العراق، وعندما انتهى تلك النهاية المخزية ضعف الشعور بالمواطنة عند العراقي، وانهار لدى بعضهم لأنهم يعتبرونه وطن خوف أو تم غسل ادمغتهم . اما بريمر فانه اجهز على المواطنة بان دق (التثليث) في شاصي العملية السياسية العراقية..ومن لحظة تأسيسه مجلس الحكم فانه اغلق طريق المواطنة الذي كان يوحّد معظم العراقيين وفتح الطرق امام الهويات الفرعية.
ولأن العراق مجتمع عشائري ومتعدد القوميات والاديان،ولأن قيم الماضي تتحكم في غالبيته ،وبأسلوب الثأر الجاهلي فقد كان ما كان من حرب الهويات القاتلة لاسيما بين عامي 2006 و2008 حيث بلغ عدد الضحايا الابرياء في يوم واحد من شهر تموز 2007 مائة ضحية. والكارثة التي دفع العراقيون ثمنها مئات الالاف من الضحايا وملايين بين نازحين ومهجرين ومهاجرين. هي ان الانتخابات البرلمانية(2005 و2010 و 2014 و 2018) تحكمت بها قيم الهويات الفرعية. مذهبية ،قومية،عشائرية
فأغلب الانتخابات وصلت لدرجة ان ابن العشيرة او ابن الطائفة ينتخب شيخ عشيرته او ابن طائفته حتى لو كان منافسه حامل دكتوراه وحاصل على جائزة نوبل.
وهذا ولد تكتل الأجيال بين القبول والرفض، فكانت النتيجة صراع بين جيل، عاش مرحلة القائد الواحد وتأثر به، وبين جيل عاش الانفتاح وتأثر به ، فأصبحنا اليوم في صراع لعدم فهم الأجيال ، وهذا بسبب الطبقية والتحجر الفكري لدى بعض من يتحملون المسؤولية، فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى شخصية مرنة تعرف كيف تدير وتتعامل مع الأجيال اي وسطية بين جيلين.
ــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha