د. جواد الهنداوي .
سفير سابق / ر . المركز العربي
الأوربي للسياسات و تعزيز القدرات .
في ٣ / ١١ / ٢٠١٩ .
لم يتخلفْ دستورنا عن تبني المبدأ العام الحاكم لدساتير الدول ،" الشعب مصدر السلطات " . ولكن ، و وفقاً لنظامنا السياسي ،الذي وَلدَ من رحم الدستور ، هل الشعب هو فعلاً مصدر السلطات ؟
وفقاً لنظامنا السياسي ،العلاقة بين الشعب و السلطات هي علاقة غير مباشرة ، و الفاصل بينهما هو مجلس النواب . ليس الشعب و إنما مجلس النواب هو مصدر السلطات : ليس الشعب و إنما مجلس النواب هو من يختار او ينتخب رئيس الوزراء .
ليس الشعب و إنما مجلس النواب هو من يختار رئيس الجمهورية .ليس الشعب و إنما مجلس النواب هو من يختار رئيس السلطة القضائية .
ديمقراطيتنا هي ديمقراطية نيابيّة وليس ديمقراطية شعبية . للشعب حق التصويت و الانتخاب لاحزاب سياسية وليس له حق الانتخاب والتصويت لرئاسة السلطات التنفيذية (ر . الوزراء ، ر. الجمهورية ).
تظاهرات اليوم هي اعلان شعبي عن فشل تجربة الديمقراطية النيابية ،التي حرمت الشعب من حق الاختيار المباشر لقادته ، وحرمته أيضاً من حق الاستفتاء .
دستورنا لم يتضمن حق استفتاء الشعب بأمر يهّمْ مصيره ،او حين يمّر البلد في أزمة ،كما ما هو عليه الحال.
تظاهرات اليوم هي أدانة للأحزاب و التيارات السياسية ،وهي ، في حقيقة الامر ، ادانة لمجلس النواب المؤلفة اغلبيته من ممثلي لتلك الأحزاب .
الدستور أوكلَ احترام و ممارسة إرادة الشعب الى ممثليه ، وهولاء ، وهم تحت قبّة البرلمان مثّلوا احزابهم و لم يمثلوا الشعب . منذ تطبيق الدستور ،الذي نصَّ على مبدأ تكافئ الفرص ، و لتاريخ اليوم لم يتم تطبيق و احترام هذا المبدأ مما حرَمَ المواطن من العدالة في التعيين والتوظيف و حق العمل . منذ تطبيق الدستور ،الذي نصَّ على مبدأ التوزيع العادل للثروات ،و لتاريخ اليوم ، لم يتم احترام وتطبيق هذا المبدأ ،الامر الذي حرمَ محافظات ومدن من حق في التنمية والاستثمار والتخصيص ، يتناسب مع حجمها و حاجاتها و يتساوى مع محافظات أخرى .
منذ تطبيق الدستور ، الذي نصَّ على ان النفط والثروات المعدنيَة ، هي حق الشعب العراقي ،ولتاريخ اليوم ،لم يُطبقْ هذا المبدأ .
لم ينعمْ المواطن بقوانين و تشريعات تضمن حقوقه في الخدمات و التنمية و الاستثمار و محاربة الفساد .
للأسف ،العلاقة بين المواطن و النائب الذي يُمثلّه في مجلس النواب لم تتعدى رابطة التصويت و الانتخاب ، وفي الامر مصادرة و استغلال و توظيف لصوت و إرادة المواطن ،وهذا ما يُفسّر التظاهرات التي نشهدها الآن وهي تستهدف الأحزاب و تطالب بأبعاد الأحزاب و الحزبيين من إدارة و قيادة الدولة ، و تطالب باصلاح الدستور وتغيير قانون الانتخابات .
لم يؤسسْ الدستور علاقة مباشرة بين المواطن و السلطة التنفيذية (رئاسة الوزراء، و رئاسة الجمهورية )،كما لم يسّنُ الدستور صلاحيات للسلطة التنفيذية تؤهلها إنجاز مهام تساهم في تحسين احوال المواطن ، واتخاذ إجراءات رادعة للفساد و تبديد الثروات .السلطة التنفيذية ،وفي ظل النظام السياسي النيابي الحالي ،هي حبيسة إرادة مجلس النواب ،الذي ماهو الاّ مجلساً للتنافس الحزبي على السلطة والمصالح.

https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)