عباس العنبوري
يعتبر النموذج اوما يعبر عنه في الاصطلاح المعاصر (الايقونة) من اهم ركائز الحراك الجماهيري لدى المجتمعات المنتفضة او الثائرة ازاء الواقع. وكل حراك مجتمعي عبر التاريخ يستلزم عوامل ومقومات لديمومته واستمراره. كالقيادة الشرعية والمشروع الواضح والنخبة والشعار وغير ذلك. بالاضافة طبعاً الى (الايقونة).
ولو قرأنا نماذج من حركات الشعوب وتفحصناها ملياً لوجدنا ان الدعامات المستلزمة لنجاح الحراك كانت متماسكة الاركان وان اي خلل في احداها سيكون سبباً لتصدع الحركة او تداعيها او حتى سقوطها برمتها.ولأني لا اريد ان استل نماذج من تاريخ الشعوب الاوربية -مثلاً- لئلا اتهم بالاشتباه بعدم مطابقة الظروف بيننا وبين تلك الشعوب لوجود اختلافات ثقافية كبيرة. فسأضرب مثالاً عن حراك او نهضة فتوى (الدفاع الكفائي)او ما سمي لاحقاً بالمتطوعين او الحشد الشعبي. فقد كانت القيادة معروفة ومسماة وهي (المرجعية). والمشروع واضح وهو (تحرير العراق) من قبل داعش والشعار هو (الجهاد). وان كنت اتحفظ على المصطلح لأسباب علمية وفقهية. اما ايقونة الحركة فقد كانت الثياب المرقطة وصور المرجع وصور المتطوعين وهم على السواتر وصور طلبة الحوزات بعمائم سوداء وبيضاء وهم يفترشون الارض ويلتحفون السماء. وقد بقيت وستبقى هذه الايقونة لصور المقاتلين ماثلةً للأذهان الى ما شاء الله.
اما عن احتجاجات تشرين من هذا العام، فمنذ بداية الحراك الشعبي الاحتجاجي والمطلبي ضد سلطة الاحزاب السياسية الفاسدة، كنت اتابع بعمق كيف يمكن تصدير ايقونة الحراك!فتصدر المشهد ايقونتان هما (التك تك )و(الفتاة).
وما دامت المقاربة بخصوص (الفتاة) كأحدى اهم ايقونات المشهد الاحتجاجي لحراك تشرين. فكان ينبغي - بحسب رأيي- ان يكون نموذجاً ينطلق من واقع المجتمع وليس طارئاً عليه. فقد تم التركيز على ( الفتاة) الايقونة في ابعادها الجمالية والتحررية. بشكل لا يتناسب مع الذائقة العراقية المحافظة. وتصدرت منشورات العديد من الناشطين على صفحات الفيس بوك عشرات الصور التي سلطت الضوء على مفاتن الفتاة ومعالم جمالها المصطنع- احياناً- بوسائل الطب الحديث المعرفة. ولا يمكن ان ننفي ان لتزامن الحراك في بلدنا مع الحراك في لبنان نصيب من التأثير في طبيعة وشكل هذه الايقونة.
وهكذا فقد انتشرت عشرات الصور لفتيات يضعن المساحيق التجميلية في وسط التحرير مع تعليقات تطري وتمجد هذا السلوك وتعتبره مثالاً لرقي وحضارية الحراك الشعبي. واستمر الاسفاف حتى انتشرت عشرات المقاطع لفتيات يرقصن بشكل يثير التقزز والاشمئزاز لما وصل اليه الحراك من انحدار في وقتٍ تأن فيه الامهات على ابنائها من شهداء هذه النهضة.
وقد غاب عن ايقونة (الفتاة) المتصدرة للمشهد صور الفتاة العراقية المحافظة بلباسها وسلوكها في حالة تبعث على الاستغراب من عدم تمثيل ذلك الشكل في الصور المتصدرة للمشهد. سيما مع نداءات وشعارات تستهدف المرجعية الدينية ورجال الدين ممن يمتلكون ولاءات واحتراماً في نفوس شرائح واسعة من العراقيين بمختلف اشكالهم وتوجهاتهم.
واذا ما اشحنا النظر بعيداً عن احتمالية انقسام العراقيين الى صنفين:( ديني محافظ و لا ديني متحرر) فان ذلك سيفقدنا تأييد الصنف الاول في اقل التقادير. وهو الامر الذي يستلزم اعادة رسم صورة تلك الايقونة من جديد.
ــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)