الضابط الوحيد لكل الحكومات والأنظمة في العالم هو وجود الرقيب المستقل العادل الذي يملك الصلاحيات في المحاسبة والعقاب ، وإلا فتصبح الدول والحكومات عبارة عن عصابات مافيا تدير الصفقات من خلا دوائر الحكومة ومؤسساتها ، وهذا ما تعاني منه أغلب الدول العربية والكثير من دول العالم الثالث ، لأن الذي يختلف في الدول الديمقراطية المتقدمة هو وجود القانون والرقيب المستقل العادل نوعا ما الذي يحاسب المسؤول الفاسد والمواطن الفاسد سواء ، فلهذا نلاحظ تلك الدول تطورت وجلبت لشعوبها بعض السعادة مع توفر الأمان والخدمات بوجود القانون القوي المطبق على الجميع بشكل متساوي نوعا ما مع وجود القضاء العادل ، بدون هذا الشرط لا يمكن لأي حكومة أن تقوم بمهامها أو وظيفتها أو واجبها وهو تقديم الخدمات والأمن بالإضافة الى العلاقات الخارجية التي تصب في مصلحة الشعب . فطبيعة الإنسان كانسان مملوء غرائز تدفعه الى عمل القبائح من أجل إشباع تلك الغرائز ولكن الضابط لهذه الغرائز الرقيب والمحاسب ، الذي يقف أمام افعالها القبيحة ويردعها بالقانون القوي ويأخذ منها الحقوق ويجبرها على القيام بالواجبات ، فمشكلة تفشي الفساد في العراق ليس بنوع النظام(إن كان رئاسة حكومة أم رئاسة) ولا بنوع الأحزاب ( دينية والقومية والأممية) ، لان أرقى الأنظمة في العالم والمحكومة من هذه الأحزاب هي الأنظمة المشابهة للنظام في العراق بما يحتوي من برلمان ورئاسة حكومة ومجالس محافظات فما تجارب بريطانيا وأغلب الدول الأوربية وكندا وأستراليا إلا أبسط مثال على ذلك ولكن الفارق الوحيد والأكبر والأخطر ما بين هذه التجارب والتجربة في العراق هو وجود القانون القوي المطبق على الجميع بالتساوي مع وجود القضاء العادل المشرف على تطبيقه في المجتمع ، فأي تغير يحدث في العراق من خلال تغير حكومة أو قيادة سياسية او تغير في الدستور أو إلغاء بعض مقومات النظام كمجالس المحافظات أو تغير نوع النظام الحاكم فهذا جميعه هباء في شبك لا يجدي نفعاً مع عدم وجود الرقيب والمحاسب لعادل ، كالطبيب الذي لم يشخص المرض فمهما يعطي من أدوية فأنها لاتجدي نفعا بل جائز أن تكون مضرة نتيجة الأضرار الجانبية ولكن عندما يشخص العلة فدواء واحد ينتج منه الشفاء والصحة الجيدة ومن ثم السعادة والتمتع بما وهب الله لنا من نِعَم ، لهذا فالقيام بالمظاهرات أو العصيان المدني وطرح شعارات الاصلاح والعبارات الثورية الجميلة مع عدم طرح تطبيق القانون بشكل حازم وقوي مع توفر القضاء العادل فأنها مجرد لعب على الذقون والهرولة في مكان واحد كمن يسير في الصحراء وليس عنده خبرة في طرقها فانه مهما يسير فأنه سيعود الى نفس مكانه مع بذل الجهد والتعب والموارد والمثل العربي القائل ( فإن المُنبّتَ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ) ، فمشكلة العراق الحقيقية هي عدم وجود القانون القوي الذي يطبق على الجميع بالتساوي مع إشراف القضاء العادل المستقل الذي يحاسب الموظف الفاسد الذي لا يقوم بواجبه مهما علا في الحكومة أو المواطن العادي ، وبوجود هذا الشرط سيعم الخير على جميع ابناء الشعب العراقي ويتوفر الأمن والخدمات ويصبح هذا الشعب اسعد شعوب العالم بما يملك من مميزات يمتاز بها على شعوب المعمورة ، فلنهتف لا حياة بدون قانون قوي وقضاء عادل .
خضير العواد
https://telegram.me/buratha