المقالات

الاهداف الذهبية للتظاهرات الشعبية  


عبدالزهرة محمد الهنداوي

 

يخطيء من يعتقد ان المنظومة السياسية - اي منظومة- تبقى بمنآى عن التأثر  بالحراك الشعبي. ، مهما أمعنت في حماية نفسها  ، لاسيما  الحراك السلمي ، الذي يجرد هذه  الطبقة من اي اداة لحماية مصالحها  ، بلحاظ ما شهده العراق ومنذ مطلع تشرين الأول ٢٠١٩ من حراك جماهيري غير مسبوق، كان له الاثر الكبير والواضح في تغيير مستوى التفكير  والاداء والتصرف لدى الطبقة السياسية بنحو عام ، وقد نجحت التظاهرات السلمية  التي شهدتها العاصمة بغداد وعدد من المحافظات من اماطة اللثام عن الكثير من الملفات التي لم يكن احد يتجرأ في الحديث عنها او الخوض في تفاصيلها  ، ولكن عندما هب الشعب ، مطالبا بالتصحيح ، او حتى التغيير ان اقتضى الحال ، كانت الاستجابة من الطبقة السياسية واضحة ، وإن لم تكن بمستوى طموح الناس ، وبصرف النظر عن قناعة هذه الجهة السياسية او تلك بمطالب الشعب ، الا ان الجميع ادرك ان نظرية (الشعب مصدر السلطات) مازالت نافذة ولم يُجمد العمل بها كما يشيع البعض !..

نعم ، ان الاستجابة لم تكن بمستوى مايريده الشارع ، الذي بدأ يرفع سقوف المطالب   إلى اعلى المستويات ، ولكن في المجمل ، ان هناك استجابة ، ما يعني ان الشباب الذين تظاهروا بقوة وثبات ، حققوا عدة أهداف ذهبية  ، جاءت نتاج حركة ولعب نظيف ، اثبت فيه الشباب العراقيون ، انهم كانوا ومازالوا وسيبقون ، يمتلكون مفاتيح اللعب والتغيير حيثما وجدوا  ضرورة لذلك ، ومن اجل ذلك ، فهم على استعداد لبذل دمائهم ، لتحقيق التغيير الذي يريدون ..

أما إذا اردنا  استعراض الأهداف التي حققتها التظاهرات ، فلعلنا نشير هنا إلى ان اول الأهداف ، تمثل  بتشكيل لجنة برلمانية تضم خبراء ومعنيين من مختلف الاختصاصات للعمل على التعديلات الدستورية المطلوبة التي لم تتمكن الطبقة السياسية من الخوض في هذا المضمار بسبب تقاطع المصالح والآليات المعقدة التي تضمنها الدستور لتعديله ، واعتقد ان لجنة التعديل هذه ، مُلزمة لإنجاز مهمتها مهما كلفها الأمر ، وان تحقق التعديل فان  مشاكل كثيرة سيجري معالجتها ،.. أما الهدف الثاني ، وهو هدف ذهبي بامتياز ، فتمثل بالخطوة التي توافق عليها الجميع "مرغمين" بخفض مستويات الرواتب المتضخمة للنواب والوزراء والدرجات الخاصة  ، هذه الامتيازات التي سُنت في ليلة غاب فيها القمر ، وباتت تستنزف الكثير من الموازنات ، ولم يكن بالامكان  الخوض فيها مطلقا ، أما الان فقد وافق الجميع على الأمر ، ومعنى ذلك  ان شيئا من العدالة الاجتماعية سيتحقق في العراق ، وتحقيق العدالة ، سيؤدي إلى خلق حالة من الرضا لدى الناس ، وهذا كله بفضل التظاهرات الشعبية ، وبالانتقال إلى الهدف الثالث ، فسنجده متجليا في تمرير التصويت على مجلس الخدمة الاتحادي ، الذي نام طويلا في ردهات السلطة التنفيذية والتشريعية ، ولكن نتيجة الضغط الجماهيري الهائل جرى التصويت على رئيس وأعضاء المجلس الذي سيكون له دورا مهما في ضبط إيقاع الوظائف الحكومية التي شهدت خلال السنوات الماضية الكثير من التلاعب والتحاصص ما افقد الكثيرين فرصة الحصول على درجة وظيفية وفقا لمعيار الكفاءة والاختصاص ،..

وحققت التظاهرات هدفا رابعا ، كان وقعه كبيرا ، عندما ادانت  الحكومة نفسها من خلال النتائج التي توصلت اليها اللجنة التحقيقية الوزارية بعد الموجة الاولى من التظاهرات ، فلعلها المرة الاولى في تاريخ الحكومات العراقية ، ان تدين حكومة نفسها ، وتقصّر أدوائها التنفيذية ، لدرجة ان بعض المناوئين للحكومة ، استغربوا ذلك والبعض استنكر الأمر ..

وعندما نصل الى الهدف الخامس فنجده واضحا في تجريد القوات الأمنية من اي سلاح ناري ، ويبدو ذلك واضحا من خلال مشهد رجال الشرطة المنتشرين في شوارع العاصمة وهم لايحملون حتى مسدس ، ما يعكس شعورا بالاطمئنان لدى الناس ان مبدأ (الشرطة في خدمة الشعب) مازال سارياً .

ويتجلى الهدف السادس ، بان التظاهرات ، أفرزت شبابا يمتلكون قدرات هائلة ، فمن يتابع اداء هؤلاء الشباب عبر اللقاءات التلفزيونية او من خلال التواجد في ساحة التظاهر ، يلمس مستوى النضوج الفكري والقدرة على التغيير بطرق وأساليب ديمقراطية ، وأنا اقف إجلالا لذلك الشاب الذي يقول "نحن ابناء العملية الديمقراطية ، وليس من العقل ولا المنطق ان نسعى إلى تقويض او إسقاط هذه العملية التي ضمنت لنا حق التظاهر والمطالبة واجبرت الحكومة على الاستماع لنا ، إنما الذي نريده هو تعديل مسارات هذه العملية ومحاربة المحاصصة المقيتة التي أفقدتنا الكثير من الأشياء الجميلة "..

نعم ، ان الأهداف التي تحققت بفضل الحراك الشعبي كثيرة ومهمة ، وهي لم تُسجل بسهولة ، إنما جاءت ممهورة بدم شباب أحبة فقدناهم من المتظاهرين والقوات الأمنية ، وعزاؤنا فيهم ، ان دمهم لم يذهب سدى ، إنما ازهر مشاريع إصلاح سيشهد  العراقيون  اثارها في القريب العاجل ..

الرحمة والخلود للشهداء ، والشفاء العاجل للجرحى والمصابين ، وحمى الله العراق واهله من كل سوء ..

(وللحرية الحمراء باب ، بكل يد مضرجة يُدق)

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك