عباس العنبوري
حدثني صديقٌ عن نفسه قائلاً : كنتُ شاباً متديناً يُحبه الناس وسيرتي الحسنة تجذبُ الجميع لي. مُنشغل في دراستي وتحصيلي العلمي، ولكني لم أكن غافلاً عن التحصيل في معارف الدين والعقيدة. فكان يسألني أقاربي واصدقائي عن احكام دينهم ويسترشدون بنصيحتي رغم اني لم اكن رجل دين بالمعنى الدقيق للكلمة. لم أكن متطرفاً او متعصباً لمذهبي. بل كنت محباً لوطني ولابنائه من مختلف المكونات والديانات والمذاهب. فقد احببت الانسان بما هو انسان. احببت الانسان كما احبَه عليُ ابن ابي طالب، ذاك الذي اشفق على النصراني لأنه انسان، قبل ان يكون اي شيء آخر. صاحب الكلمة الشهيرة "الناس صنفان اِما أخٌ لك في الدين او نظيرٌ لك في الخلق".
مرةً حلمت ان تنتهي سلطة البعث وصدام. كنت ارى صدام في صورةِ كل من يرتدي الخاكي، ويعتمر البيرية الحمراء. كنت اخاف اذا ما عدت من الزيارة وقد اغبر وجهي وبان التعب عليه، من ان يراني احدٌ من جيراني ويشك اني كنت ذاهباً للزيارة.
اعيش الشك في رفيق .... ورفيق .... من ان يكتبوا تقريراً عني، وقد يكون سبباً في نهايتي ونهاية عائلتي. حلمت ان ننتهي من كل ذلك!
حلمت ان اذهب لزيارة الامام الرضا! نعم، الامام الرضا! اعلم انه حلمٌ لن يتحقق. ولكن، من حقي ان احلم!
حلمت ان نكون مع الشعب الايراني (المسلم) متحابين، في بلدنا المستقل عن سلطة اي اجنبي.
حلمت ان اطيل لحيتي كما يأمرني الشرع، دون ان أُتهم او أُعدم لانني في حزب الدعوة وعميل للفرس المجوس.
حلمت ان احمل كتاب مفاتيح الجنان دون ان اضعه في كيس اسود واخفيه تحت مقعد السيارة اذا ما اقتربنا من سيطرة ونحن في طريقنا الى كربلاء. حلمت بكل ذلك.
حدثني صديقي بكل هذه الكلمات وهو يحاول ان يمسح دمعةً رقراقةً سقطت من عينه اغتصاباً. سألته لماذا تبكي يا صديقي؟ الم يتحقق حلمك؟!
فأجاب وهو ينظر الى عيني المتسائلتين المستغربتين. قائلاً: لقد كان كابوساً يا صديقي!
ها هم ينظرون اليَ وفي اعينهم الفاحصةُ شكٌ وريبةٌ لاني قد اكون في حزب الدعوة. رغم انني لم انتم لأي حزب في حياتي!
انهم يلاحقونني لأن لحيتي قد طالت رغم البياض الذي شابها.
تمنيت اني لم انم ولم احلم ذلك الحلم الطويل الذي استغرق 16 سنة! فقد افقت على كابوس! لقد كنت سعيداً رغم كل الرعب الذي كنت اعيشه في ذلك الزمن.
استرسل صديقي في كلامه وهو يحاول ان يستجمع قواه الخائرة. فقاطعته متسائلاً: من أولئك الذين سرقوا حلمك واحالوه الى كابوس؟ فاجابني: لقد ضاع حلمي بين فاسدين وفاسدين! كلهم يحملون اعلام بلدي. وانا بين حلمين احلاهما كابوس.
قاطعته قائلاً: حسبك انك بقيت ثابتاً على مبادئك، وحسبك ان كل ذلك الالم بعين صاحب الزمان!
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)