المقالات

امريكا تشعل الحرائق في العالم فمتى تجتاحها النار؟


محمود الهاشمي

 

 

تقود الولايات المتحدة "حرباً ناعمة" في مفهومها "ضارية" في نتائجها، ضد الدول "المناهضة" لسياستها، بعد ان سخرت جميع الامكانيات لاشعالها في دول عديدة ومتباعدة في العالم، واذا كانت هذه "الحرب الناعمة" قد انتهت في دول "الربيع العربي" وتحولت الى موطن لـ"الفوضى" و "الضياع" سواء في صناعة حكومات ضعيفة محكومة بانتخابات "مربكة" او بحكومات "عسكرية" فاشلة، فان دولاً اخرى بدأت تشتعل بها هذه "الحرب" حيث ما زال اصحاب "البدلات الصفر" يواصلون اعمال الشغب والحرق للمتلكات العامة والخاصة في فرنسا بعد ان احست امريكا ان فرنسا تحاول التملص من العقوبات التي تفرضها على ايران ، وفي بوليفيا  انتهت هذه "الحرب" في استقالة الرئيس "ايفو موراليس" ولجوئه الى "المكسيك" مع انه شخصية "يسارية" ومناصر للفقراء، واول رئيس في جميع امريكا اللاتينية من السكان الاصليين ..

كما انه فاز بالانتخابات، وليس غريباً ان تأتي  شخصية "مناصرة لامريكا" محله في "الحكومة المؤقتة" المدعوة "جانين آنز" وان تعلن بعد ساعة من استلامها للسلطة اعترافها بـ"غوايدو" رئيساً مؤقتاً لفنزويلا والمناصر لامريكا بدلاً من الرئيس الشرعي الحالي (مادورو)، فيما مازالت التظاهرات قائمة ضده وبدعم "امريكي" كونه يناهض سياستها، وايضاً ضمن "الحرب الناعمة" في هذا البلد، منذ اعوام.

في هونغ كونغ المواجهات الدموية متواصلة منذ عدة اسابيع وسقوط ضحايا بين المتظاهرين والقوات الامنية، في ورقة ارادت من خلالها امريكا ان تضغط على "الصين" باعتبار ان هذا "الاقليم" عاد الى "الصين" ضمن الاتفاقيات الدولية.

في لبنان التظاهرات والاحتجاجات على اوجها، وذلك من اجل "التضييق على "حزب الله" والمقاومة في هذا البلد المحاذي الى اسرائيل، في ذات الوقت فان العراق يشهد سلسلة احتجاجات وتهدف الى "التضييق" على "الحشد الشعبي" وتحجيم العلاقة بين العراق وإيران  ومحاصرة "المقاومة بشكل عام.

الجزائر ايضاً تشهد حالات احتجاج وتظاهرات تهدف الى انهاء اخر بقايا (القيادات الثورية )التي حملت عنوان التحرر ضد الاستعمار الفرنسي.

في السودان اسقطت التظاهرات الرئيس عمر البشير وجاءت بالعسكر فيما مازالت تداعيات الاحتجاجات تنذر بالعديد من السيناريوهات والمزيد من الهجرة خارج البلد.

وكذلك شهدت ايران قبل يومين حالات شغب واحتجاجات بسبب قرار رفع اسعار الوقود، والهدف واضح لاخضاعها الى الاملاءات الامريكية، وتقليص عملها الاستراتيجي ودعمها للمقاومة، ومثل ذلك في تشيلي.

هذه "الحرب الناعمة" التي تقودها الولايات المتحدة ضد بلدان العالم "المناهضة" لسياستها، تستخدم فيها الهجوم من الداخل بدلاً من "الخشنة" التي كانت تكلفها المزيد من القتلى ناهيك انها تتعرض الى ضغوط دولية ورأي عام.

الطرق التي تستخدمها الولايات المتحدة في اثارة هذه الاحتجاجات:

1-صناعة الارهاب، والقيام باعمال القتل والارهاب والترويع واشغال القوات الامنية واضعاف التنمية الاقتصادية في البلد.

2-الحصار الاقتصادي بالشكل الذي يولد سخطاً لدى الشعوب.

3-اثارة النعرات الطائفية والعرقية.

4-دعم الاقاليم من اجل الانفصال .

5-لاشك ان التحضيرات للقيام بهذه "الاحتجاجات" تتم وفق مراحل واحتمالات وسيناريوهات معدة مسبقاً، بما في ذلك التهيؤ للاعداد التي تفر من جحيم تداعيات "الاحتجاجات" والتنسيق مع الدول المجاورة  الى حد تهيئة الشؤون اللوجستية من مخيمات وغيرها!!.

6-اموال الانفاق في "الحرب الناعمة" ضد اي بلد تدفعها الشركات الكبرى في الولايات المتحدة مثلاً، على ان ترد هذه الاموال في مرحلة ما بعد انتهاء "الحرب" في عقود استثمارات واسلحة او اعادة تاهيل وغيرها، فمثلاً "الحرب الناعمة" على ليبيا توسعت فيها الاحتجاجات ثم استخدمت فيها القوة العسكرية التي تولى امرها "حلف الناتو" وقد تم باموال دفعت مسبقاً من شركات بيع الاسلحة او مع مصانع الاسلحة نفسها!!.

هذه الحرب التي تقودها الولايات المتحدة وان كانت تجلب لها الكثير من المنافع السريعة كونها تتخلص من خلالها من انظمة وشخصيات معادية لها، وتاتي بانظمة قريبة من توجهاتها ان لم تكن عميلة لها، لكن في ذات الوقت كلفتها المالية ضخمة لانها تحتاج الى "تحشيد" اعلامي كثيف ومركز وضمن خطط وبرامج ومواقيت في نفس الوقت تحتاج الى مرحلتين اخرتين الاولى "ادارة الازمة" اثناء اشعالها والثانية السيطرة عليها واحكامها وتصميم المرحلة المقبلة بما يتناسب مع المخطط..

في ذات الوقت فان الجهة الخاسرة لن تتوقف في الدفاع عن نفسها، ومحاولة العودة للميدان، فمثلاً ان مصر تعرضت الى "حرب ناعمة" انتهت بسقوط حكومة حسني مبارك، ومجيء حكومة "السيسي"، وبذا فان "الاخوان المسلمون" سيبقون رقماً في المعادلة السياسية والضغط على الداخل المصري، فالازمات لم تنته بحدود اثارتها بل تعقبها الى تداعيات كثيرة معقدة وتحتاج الى ادارة  وانفاق ايضاً.

الجانب "الخاسر" في "الحرب الناعمة" هو الخط المعادي للسياسة الامريكية ، ومازال يقاوم مثل "الصين، روسيا، ايران ، المكسيك ، فنزويلا، سوريا ، لبنان ،العراق، الجزائر، نيكارغوا، كوبا، كوريا الشمالية، فيتنام، ماليزيا"، الباكستان وهو خط ايضاً يمتلك دعائم عديدة لمواجهة  حرب امريكا "الناعمة"، فالصين بدأت تشكل معادلاً فاعلً للاقتصاد الامريكي، وروسيا معادلاً عسكرياً قوياً ومتطوراً..

وبالقدر الذي بدأت فيه الاتفاقيات والمعاهدات الامريكي مع العالم تنهار الواحدة تلو الاخرى، بحيث ان عشر اتفاقيات بعهد الرئيس ترامب تم الغاؤها، فان الصين بدأت تشكل اتفاقيات اقتصادية جديدة مع العالم وفي مقدمتها مع دول جنوب شرق اسيا ، واذا كان الاتحاد السوفيتي قد انهار بسبب فشل الادارة الاقتصادية والصناعات المدنية  فان الصين وروسيا تقاتلان امريكا بادواتها وهو "نظام السوق" وبأفخر البضائع والاسلحة، ثم ان كلا البلدين استطاعا ان يكونا علاقات مفتوحة مع العالم، وباتت الدول التي ترى في الصين وروسيا اكثر اطمأنانا  في العلاقة، وبات الكثير من اصدقاء امريكا يفتحون ابواب العلاقة معهم بما في ذلك الدول التي بقيت لعشرات السنين مجيرة لامريكا مثل دول اوربا!!.

قد يبدو التدخل المباشر للصين او روسيا في حرب امريكا "الناعمة" ضد دول عديدة ضعيفاً ، ولكن ومنا يبدو ان اتفاقاً بين كلا البلدين لترك امريكا تغرق في فوضى هذه الدول المشمولة بالحرب وانهاكها قدر المستطاع الا في مفاصل مهمة مثل سوريا لموقعها المهم على البحر المتوسط، ومثل فنزويلا لما تمثل من ثروة نفطية وارث يساري لذا تجد ان التدخل كان واضحاً.

لايمكن لاحد ان يقول ان امريكا بات لديها اصدقاء او كما كنا نسميه "المعسكر الامريكي" ، فاوربا التي كانت العنوان الاكبر لامريكا في العلاقة وخاصة العسكرية، باتت تبحث عن اي فرصة للتملص منها، مثلما باتت امريكا ترى في اوربا "قارة عجوزاً" لا غير!!.

امريكا اللاتينية ورغم كل الحروب والمؤامرات التي تحوكها الولايات المتحدة عليها، بدأت الحركات اليسارية تتنامى وتستعيد تاريخ التحرر وتاريخ رموزها وابطالها من الثوار، وليس غريباً حين تشهد ملاعب الارجنتين او البرازيل وقد ارتدى اغلب المشجعين من الاجيال الجديدة ملابساً عليها صور جيفارا!!.

امريكا تقول "لم يعد الشرق الاوسط من اولوياتنا" وهي بداية الهزيمة من هذا الموقع الاستراتيجي ..لكن الامر يحتاج الى صبر، والبلدان المناهضة للسياسية الامريكية تراهن على الزمن وعلى الوهن الذي يضرب الاقتصاد الامريكي وانحسار النفوذ.

ـــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك