خالد جاسم الفرطوسي
نقرأ ونسمع كثيراً هذه الأيام عن الجيل الرابع من الحروب، فنسمع الكثير يقول: (إن أمريكا تواجهنا اليوم بالحرب الناعمة، فيتوجب علينا مواجهتها بنفس الأسلوب ...)، لاسيما وأننا ما زلنا نشهد استمرار التظاهرات في العراق ولبنان، والتي شهدتها سابقاً دول عربية عديدة سميت آنذاك بالربيع العربي، إلا أننا نادراً ما نقرأ عن القوة الذكية والتي يطلق عليها البعض بحروب الجيل الخامس.
ومن هنا فإن البعض يتصور أن أمريكا تحاربنا وتواجهنا هذه الأيام من خلال الحرب الناعمة فقط (الجيل الرابع من الحروب)، وهذا غير صحيح.
فأمريكا اليوم تواجهنا بحروب الجيل الخامس، نعم سيتضح لنا لاحقاً أن الحرب الناعمة وسيلة من وسائل حروب الجيل الخامس. وبالتالي علينا أن نواجه أعدائنا بنفس جيل الحروب الذي تشنه علينا، وإلا ستكون حرباً غير متكافئة.
الأجيال الجديدة من الحروب (الرابع والخامس)، يتم فيها احتلال عقلك لا احتلال أرضك، وبعدها ستتكفل أنت بالباقي، أنها معركة لا تعرف فيها خصمك الحقيقي، هي حرب ستطلق فيها النار بكل اتجاه، لكن من الصعوبة فيها أن تصيب عدوك الحقيقي، وبالأحرى هي حرب من يخوضها يكون قد اتخذ قراراً بقتل كل شيء يحبه، أنها حرب تستخدمك أنت في قتل ذاتك وروحك وشعبك وأرضك وبلدك، وفي النهاية ستجد نفسك تحارب بالوكالة لصالح جهة أو رجل جالس في مكان آخر، هي حرب المحرك فيها لم يدخلها ولم ينزل الميدان.
*الفرق بين حروب الجيل الرابع وحروب الجيل الخامس:*~~
القوة الذكية (الجيل الخامس) تستخدم العنف المسلح عبر مجموعات عقائدية مسلحة وعصابات التهريب المنظم والحركات المدربة، حيث يستخدم فيها من تم تجنيدهم بالتكنولوجيا المتقدمة (الأسلحة المتطورة) مثل الصواريخ المضادة للدروع والطائرات، والعمليات الانتحارية، ونصب الكمائن، والأعمال الإرهابية والاغتيالات ومهاجمة مدنيين أو هجمات انتحارية من أجل تحقيق الأهداف باستنزاف وإرهاق الجيوش وإرغامها على الانسحاب من مواقع معينه.
ومما يستخدم في حروب الجيل الخامس الوسائل الحديثة لحشد الدعم المعنوي الشعبي، والتي هي في الغالب تكون من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبصورة أشمل وأعم هي تعتمد على وسائل الحرب الناعمة (الجيل الرابع).
مما تقدم يتبين لنا أن الاختلاف بين حروب الجيل الرابع وحروب الجيل الخامس، هو أن الجيل الرابع يعتمد على تقنيات حرب اللاعنف، أما الجيل الخامس فيستخدم العنف بشكل رئيسي معتمداً على التقنيات الحديثة.
هذا الجيل من الحروب (القوة الذكية) هو الذي يواجهه اليوم العراق، ومثالنا الحي هنا هو التظاهرات وما يصاحبها من عمليات مركبة تتحالف فيها تقنيات حرب اللاعنف والمتظاهرين المندسين والاختراق السياسي وانماط من العنف المجتمعي.
كما تعلمون عملت أمريكا في السابق كما حدث وقامت بتغيير حكم البعث الكافر المتمثل بالطاغية الأكبر صدام، بعمليات عسكرية جوية وبرية وبحرية، من خلالها قامت بإسقاط النظام البعثي، إلا أن هذا الجيل من أجيال الحروب الذي من خلاله كانت تتعامل أمريكا لغرض إسقاط الأنظمة الحاكمة، يبدو أنها تركته إلى غير رجعة، مع مراعاة بعض الاستثناءات التي لا يسمح المقام لذكرها، معتمدة على جيل جديد يتم من خلاله إسقاط الأنظمة واستبدالها، إذ يبدو أن للجيل السابق سلبيات عديدة يطول المقام لذكرها، وعليه فإنها اعتمدت على جيل جديد يتلخص بما يسمونه (الثورات الملونة) وهي التظاهرات الشعبية، التي تنهض بها الشعوب المظلومة لغرض استرداد حقوقها، فتعمل أمريكا على ركوبها لتحقيق مآربها.
كما حدث ما سميت بثورات الربيع العربي.
هذه التي يسمونها بالثورات الملونة هي من وسائل الجيل الخامس من الحروب (القوة الذكية). وقد قامت السفارة الأمريكية في العراق بإقامة دروات متعددة (للثورات الملونة)، أي التظاهرات، جمعت فيها الكثير من الناشطين والإعلاميين وعملائها المتبقين، لتشكل لهم هذه الدورات دروساً متعددة منها يعرفون كيف يجعلون من التظاهرات تبدأ وتنطلق وما هي مراحلها، ومتى يحين استخدام وتغيير المرحلة الحالية بمرحلة لاحقة، وكيف يتم فيها صناعة الرأي العام، وكيف يتم مواجهة القوات الأمنية سواء بصورة سلمية أو غير سلمية لإحباط محاولاتهم تجاه المتظاهرين بشكل عام وخاص، وغير ذلك الكثير.
وعليه يتوجب علينا أن ننظر إليها وإلى مواجهتها ببصيرة ووعي شديدين، مما يعني أن مواجهتها لا تتحقق من خلال الحرب الناعمة فقط، نعم للحرب الناعمة فيها دور كبير، إلا أنه لا يحقق ما نصبو إليه.
~~*خطوات مقبلة في التظاهرات الحالية:*~~
ما أذكره هنا هو بالاعتماد على القواعد العلمية الأساسية للتظاهرات، أي أنه ليس تنبؤ، وبالتالي إذا ما طرأ حادث ما من الجهة المقابلة أي الحكومة العراقية، فمن المحتمل أن يحول دون تحقيق المرحلة المقبلة، فيؤدي في اللجوء لسيناريو آخر.
سنستعرض ذلك الحدث لأنه سيكمل لنا ما متوقع أن يكون في نهاية التظاهرات، حتى
وأن لم يتحقق، فيما لو حدث طارئ ما من قبل الحكومة العراقية كما أسلفنا، إذ أنه سيُثري معلوماتنا في هذا الجانب على أقل تقدير.
من الخطوات المفترض أن تستخدمها أمريكا في المرحلة القادمة لهذه التظاهرات كما تشير إليه مراحلها وقواعدها، هو الترويج لشخصيات سياسية ذات طابع طائفي، بالإضافة إلى العمل على انضاج تجارب ما يسمونه بالعصابات أو الميليشيات، من خلال الاعتماد على العائلات والقبائل ومنظمات المجتمع المدني التي جندت الكثير من الشباب، في محاولة إنشاء حالة صراع داخلي تارة بينها وبين بعضها وتارة بينها وبين الدولة، بهدف تشتيت تركيز الدولة، وفي الوقت نفسه تبدأ في تشكيل عصابات منظمة تستهدف تحويل النمط السلمي في المظاهرات إلى نمط عنيف، وبالتزامن مع المظاهرات والاعتصامات في العاصمة أو في المحافظات الأخرى، يتم طرق أبواب المناطق الحدودية بقصف وتدمير من عصاباتهم الجديدة أكثر مما سبق، ويصاحب هذا حرب بين القبائل والعائلات في الجنوب، بهدف تشتيت جهود الدولة لإنقاذ الموقف.
كل ذلك بالتزامن مع حرب نفسية يتم فيها الإعلان عن سقوط مناطق حدودية أو مدن حدودية مهمة بهدف التأثير في معنويات الشعب، وهنا يأتي الدور الأمريكي وفق مبدأ الشراكة المتساوية لإدخال الحكومة العراقية في حالة تفاوض مع هذه العصابات، لتتدخل بعدها أمريكا مباشرة لتفرض ما تشاء، وإلا فإنها ستستخدم إجراءات لا مجال لذكرها هنا كونها ليست من شأن ما نكتبه.
ما تقدم هو بيان سريع لمفهوم القوة الذكية (حروب الجيل الخامس)، ونموذجها المتمثل حالياً بالتظاهرات الحالية.
ولمزيد من التوضيح لمفهوم القوة الذكية (الجيل الخامس) سنتحدث عنها بإيجاز من حيث تعريفها ومصادرها ومفكريها، تاركين التفصيل لمن أراد في مراجعة مصادرها، ومن ذلك كتاب (مقتربات القوة الذكية الأمريكية كآلية من آليات التغيير الدولي) لمؤلفه سيف الهرمزي.
*تعريف القوة الذكية:*~~
عرفها صاحب الكتاب المذكور على أنها:
علاقة الدمج بين الناعم والخشن والصلب من القوة، أي استعادة القدرة القيادية العالمية للولايات المتحدة من خلال الاستخدام المرن لجميع وسائل السياسات، بما فيها السبل الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والقانونية والثقافية.
~~*مفكرو القوة الذكية وتاريخ نشأتها:*~~
جوزيف ناي وريتشارد آرميتاج، وقد ولد الجيل الخامس أو ما يسمى بالقوة الذكية في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
*مصادر القوة الذكية:*~~
1. القوة الخشنة (العسكرية).
2. القوة الصلبة (الاقتصادية).
3. القوة الناعمة.
نستخلص مما تقدم أن ما تشنه علينا اليوم أمريكا من خلال تظاهرات الشعب العراقي المظلوم الحقة والتي استغلتها بإدخال بعض المندسين بينهم أنها تحاربنا بحروب الجيل الخامس لا الجيل الرابع، نعم للجيل الرابع مدخلية فيها، من حيث أنه وسيلة من وسائل حروب الجيل الخامس.
وعليه يتوجب علينا لغرض إحباط المؤامرة الأمريكية أن نواجهها بنفس الجيل من الحروب، مما يعني بالتالي التخلص من المندسين وتحقيق مطالب الشعب العراقي المظلوم الذي عانى ومازال يعاني من الظلم والفساد المستشريين، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال فهمنا لهذا الجيل من الحروب فهماً دقيقاً، منه نستطيع مواجهتهم ومنه نتمكن من الانتصار ، وبدون ذلك ستكون جهودنا وحلولنا ونتائجهما ترقيعية.
نسأله تعالى أن يعجل فرج وليه ويجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه أنه سميع مجيب.
لا ملجأ من الله إلا إليه، له الحمد من قبل ومن بعد.
الفلم الوثائقي للأكاديمية العراقية لصناعة القادة الذي عرض بقنوات الجزيرة بي بي سي والحوار
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)