المقالات

شعارات رددت في التظاهرات..تحليل المضامين والمعاني..       


 الدكتور أحمد جمعة البهادلي

 

لا يختلف اثنان على أن المطالبة بالإصلاحات أصبحت مطلبا جماهيراً واسعاً، إذ بعد كل هذا الفشل الواضح في إدارة ملف الخدمات والارتقاء بالقطاعات التي حملها عادل عبد المهدي قسراً، خرجت الجماهير العراقية لتطالب بالخدمات وفي أكثر من تظاهرة، وكانت تظاهرات الأول من (أكتوبر: تشرين الأول) الماضي، هي الانطلاقة الأكثر شعبية، بسبب حدوث حالات (قتل) قيل أن قناصاً استهدف المتظاهرين والأجهزة الأمنية على حد سواء، مما ساعد على تزايد تفاعل (الناس) مع التظاهرات، والخروج بكثافة شبابية واضحة، بالإضافة إلى حدوث حالات قتل في عدد من المحافظات ومنها بغداد، وبعضها كان على يد متظاهرين(مندسين) أو مخربين، وبعضها بسبب إطلاقات الغاز المسيل للدموع، إذ كانت ترمى على المتظاهرين بمسافات قريبة وبمستوى الصدر أو الرأس، حتى بلغ عدد الشهداء أكثر من (200) شهيد، ويجب عليّ هنا وضع قاعدتان:

الأولى: علينا رفض أي استعمال للقوة ضد أبنائنا المتظاهرين، وأطلب من الجميع التظاهر بشكل يليق بالعراق وتاريخه وشعبه وبطرق سلمية.

الثانية: أنا مع صوت الحق المطالب بمحاربة الفساد ومع مراجعة القوانين، والدستور، وأرفض المحاصصة الحزبية، أو تسلط بعض القوى السياسية، أو محاولة احتكارهم للسلطة، وأرفض تزوير الانتخابات، وتحريف إرادة الناخبين، وأنا مع التوزيع العادل لثروات الشعب على أبناء العراق، وغير ذلك من المفاهيم المنصفة في منهجنا وهو الإصلاح.

ولان اهم ما في التظاهرات هو شعاراتها، التي تحدد أهدافها، أجد أن هناك بعض الشعارات المغلوطة، وأن من واجبي الوطني التصدي لتصحيحها، وإلا فإن هناك اشتغالا يفوق اشتغال الجماهير، وغالبيتهم من الفقراء والبسطاء والمعوزين، يراد له أن يكون عبر قطع الطرق، وحرق المنشاة الحكومية، ومنع الموظفين من الذهاب إلى وظائفهم، وإغلاق البلديات أو المديريات المهمة، والموانئ وغير ذلك كالسلب والنهب، فهذا ليس بإصلاح ولا أعتقده يأتي بشكل عفوي من الجماهير المتظاهرة!!

لذلك فإن الشعارات (تدس) بصورة أو بأخرى إلى الحس الجمعي المشوش أو الذي اختلطت عليه الصورة.

وأستطيع حصر الشعارات في أربعة أنواع، هي:

1. شعارات رافضة للوجود السياسي، ومطالبة بإسقاط النظام.

2. شعارات رافضة لبعض السياسيين تحديدا.

3. شعارات رافضة لوجود الجمهورية الإسلامية كدولة.

4. شعارات عقلانية تنادي بالإصلاح والتغيير الجاد.

 

أولا: الشعارات الرافضة للوجود السياسي، والمطالبة بإسقاط النظام.

 

بدأ تثقيف الشعب بهذه الفكرة منذ أن أطلق شعار(شلع قلع كلهم حرامية)، حتى تطور ليصبح(كلهم.. كلهم.. حتى السيد واحد منهم)، في رد فعل عكسي للإشارة إلى السيد مقتدى الصدر كمشارك أساسي في العملية السياسية وفي تشكيل حكومة السيد عادل عبد المهدي عن طريق كتلته النيابية(سائرون)، وهكذا تطور الشعار جرأة، ليكون(الشعب يريد إسقاط النظام)، في إشارة للربيع العربي الذي خلص بعض الدول العربية من الحكومات الدكتاتورية، كنمط من استعارة الشعارات للتعبير عن الرفض الجماهيري لكل الأحزاب السياسية ومخرجاتها طيلة الفترة من 2003 الى 2019.

واعتقد بأن مثل هذه الشعارات الرافضة للوجود السياسي وللنظام فيها مخاطر كبيرة، فالعراق اليوم بلد ديمقراطي، واي تغيير للنظام الديمقراطي يعني العودة للدكتاتورية، والرجوع الى سلطة الفرد والحزب الواحد، وكل الويلات البغيضة التي عاشها العراقيون سابقا، في ظل حكم الطاغية (إين صبحة) اللعين.

وقد يكون المراد من هذه الشعارات هو رفض كامل الأحزاب السياسية، فهنا علينا أن نتحفظ كذلك، فليست هناك شمولية موضوعية في إطلاق الأحكام، مثل(شلع قلع)، الذي يحرق الأخضر مع اليابس، فهناك أحزاب مخلصة وطنية.

وقد تكون بعض رجالات هذا الحزب أو ذاك من المفسدين، وهنا علينا الركون إلى القضاء ومحاسبتهم.

لذلك يجب عدم الجري خلف مثل هذه الشعارات، وعلينا رفض الفاسدين من الأحزاب، لا رفض التجربة الحزبية المعاصرة، ثم كيف تستقيم الديمقراطية بلا تعددية حزبية.

وقد ساعد هذا الرفض الواضح للتجربة في شعارات كثيرة، أن يتم رفض السيد مقتدى الصدر كذلك، إذ صرخت الجماهير وبشكل معلن، بعدد من الشعارات مثل: (كلهم.. كلهم.. حتى السيد واحد منهم)، وقد خلق تداول مثل هذه الشعارات اتساع الهوة بين الجماهير وبين العمل السياسي، إذ لا يزال الناس حتى الأن يعتقدون بأن العمل السياسي يعني: الانتهازية، التسلط، التلاعب بالمال العام، التحاصص، السيطرة على ثروات الشعب، وغير ذلك.

حتى أصبح العمل السياسي في العراق سبة واضحة، بل وأصبح العامل في أي جهة سياسية شخصا منبوذا في بنية المجتمع الرافضة للوجود السياسي بالجملة.

 

ثانيا: الشعارات الرافضة لبعض السياسيين تحديداً:

 

لقد رفض الشارع العراقي شخصيات سياسية ذات اغلبية نيابية، وهي التي شكلت الحكومة الأخيرة، للإشارة الى مرجعيات هذه الشخصيات السياسية او الى كياناتها الام، (سائرون والفتح)، إذ ومع توالي التجاذبات الأخيرة لكل من السيد هادي العامري والسيد مقتدى الصدر، تم تداول الكثير من الشعارات، منها ما طال السيد مقتدى الصدر عندما زار تظاهرات النجف الاشرف: (يا مقتدى شيل أيدك هذا الحجي ما يفيدك) ومثل (لا تركب الموجة)، بالإضافة إلى عدد كبير من الهاشتاكات.

ومنها طال السيد هادي العامري، في محاولته لتقديم بعض الحلول السياسية لهذه الازمة، تحديدا بعد إجابته للسيد مقتدى الصدر وإبداء التعاون معه بحسب طلب الأخير، لكن الجماهير صرخت: (لا مقتدى ولا هادي.. حرة تظل بلادي)، والحق يجب أن يقال، فليست المسؤولية تقع فقط على سائرون والفتح، نعم يتحمل الطرفان مسؤولية هذه الحكومة، لكن مسار المراجعة عليه أن يكون منصفا فيراجع كافة القيادات الأخرى في ميزان التجربة، بل وعلينا إثابة العاملين بإخلاص وبصدق حينما كان العراق يمر بأزمات خارجية متطرفة، ومحاسبة المقصرين، تحديدا اللذين عملوا في المجال الحكومي او التنفيذي منذ أعوام التغيير عام 2003 حتى الآن، والحقيقة يجب تفعيل القضاء العراقي كسلطة مستقلة ليأخذ دوره الجاد في محاربة الفساد.

 

ثالثا: شعارات دولية رافضة لوجود الجمهورية الإسلامية:

 

(إيران برة برة.. بغداد تبقى حرة)، هذا الشعار الأبرز الرافض للوجود الإيراني، ولا نعلم كيف قبلت به الجموع المتظاهرة، وحتى الامس القريب قد أعطت (إيران) الكثير من امكانياتها للعراقيين جميعا دون استثناء في حربهم ضد الإرهاب والتطرف، ففي الوقت الذي لم تصدر فيه ايران أي فتوى ضد العراقيين او الشيعة منهم تحديدا، ولم تصفهم بالروافض ولم تجوز قتل الأبرياء او قطع الرؤوس او سبي النساء واغتصابهن او حتى بيعهن في الأسواق وبثمن بخس، ولم نعثر على إرهابي ايراني واحد في كل المعارك ضد الإرهاب، بينما وجدنا الكثير من السعوديين والاماراتيين وغيرهم كما وجدنا عجلات واسلحة واموال خليجية وكانت ايران تدعم العراق رغم الظروف القاسية التي تمر بها في أجواء دولية وإقليمية حساسة جدا.

تم تداول هذا الشعار الرافض للوجود الإيراني ليكون معبرا عن رفض الحشد كذلك، إذ بات وهو يوصف بالمقدس، لكنه أصبح يوصف بالميليشيات، والمرجح هنا استهدافه لأنه خرج بفتوى مرجعية، إذ سرعان ما وصفت رجالات الحشد بانهم ذيول لإيران، أو له إرتباط بها، بناء لما تصرح به وسائل الاعلام الخليجية بل وبعض القنوات العراقية كالشرقية ودجلة.

وكأن الذي يصرخ (إيران برة برة) يعني يريد من الحشد ان يخرج كذلك. ومع خطورة ما يجري من حراك دولي واقليمي في كل من تركيا وسوريا وإيران فان هذا الشعار بلغ مبلغا في الثقافة الشعبية لم يبلغه أي شعار اخر، وقد وصل الى علب المربى والجبن واللبن في الأسواق المحلية، وقد تناسى هذا الشعب كل الجهود الدولية للجارة الإسلامية في طرفة عين، لكن ليست بهذه الطريقة يكون التعامل الدولي مع دول الجوار التكويني، ولا بهذه الطريقة يصنع القرار السياسي شعبيا، فعلينا الانتباه.

 

رابعا: شعارات عقلانية تنادي بالإصلاح والتغيير الجاد.

 

كان من بين هذه الشعارات الدعوة لاحترام المرجعية ودورها البارز، إذ رفع شعار (كل الشعب وياك يا سيد علي) وشعار (تاج تاج على الراس سيد علي السيستاني) للإشارة الى الرصانة والريادة التي تمتعت بها المرجعية الشريفة طيلة هذه المدة، وبالفعل فقد كان السيد الامام السيستاني صمام امان للشعب العراقي المجاهد.

كما ان شعار (اخوان سنة وشيعة .. هذا البلد ما نبيعة) كان من بين تلك الشعارات التي تؤكد وحدة الصف العراقي، للمطالبة بالإصلاح ضمن الأطر الدستورية والقانونية ويبحثون عن حلول جادة ووطنية، في الوقت الذي لم يخرج سوى المحافظات الشيعية في تظاهرات واسعة.

هذه هي اهم الشعارات التي رفعها المتظاهرون في عموم المحافظات العراقية ذات الأغلبية الشيعية الصابرة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك