المقالات

الاسلاميونَ والواقعُ العراقيُّ


زعيم الخيرالله

 

أُتابِعُ كُلَّ مايكتبُهُ العَلمانِيُّون في الصَحافَةِ ووسائلِ التواصل الاجتماعيِّ ، ومايقولونَهُ في الفضاءِ المفتوحِ ، مِنْ شَيْطَنَةٍ للاسلاميين وَعَصبِ كُلِّ الشرورِ والازمات برؤوسهم .

أَنا أُصَنِّفُ كُلَّ الصَخَبِ في دائرةِ " وعيُ العُقدةِ " ، وهوَ صِنْفٌ من اصنافِ الوعي الزائف ، الذي أَشَرتُ اليه في مقالي السابق " الوعيُ الزائفُ واشكالهُ" .

ليسَ صحيحاً مايقولُهُ هؤلاء : " ان الحكومةَ في العراق حكومةٌ اسلاميّة " ، هذا التوصيفُ مجانِبٌ للحقيقة ، يثيره العَلمانيونَ لِذَرِّ الرماد في العيون من خلال وعيٍ زائفٍ يقدمونهُ للناسِ هُو : " وعيُ العُقدة" . وَبعضُهُم يقول : " انَّ الحكومةَ في العراق هي حكومة اسلامية خاضعة لولاية الفقيه الذي يحكم ايران" .

وعيُ العُقدةِ هذا مدفوعٌ بكراهيةِ كُلِّ ماهو اسلاميّ او له صلةٌ بالدين.

الوعيُ السليمُ المُكتَمِلُ للمشهدِ العراقيّ ان نقول : ان الحكومة في العراق حكومةٌ تَوافقيّةٌ اتفقت عليها كل الكتل ممثلة لمكوناتها الاثنية والطائفية والقومية ، وليست حكومة اسلاميّة ولا الدستور الذي كتب مُصاغاً على مقاساتِ المُكونات هو : دستورٌ اسلاميٌّ .

الصحيح ان نقول: ان هذه الحكومة حكومة توافقية اشترك فيها الاسلاميون ، وقبلوا فيها هذا العقدَ التوافقيّ . وتكون النجاحات فيها نجاحات اشترك فيها الجميع ، والاخفاقات اخفاقات الجميع . ولا يمكن تحميل طرف واحد كُلَّ المسؤوليّة " تلك قسمةٌ ضِيزى" .

حَرامُ ان نُقّدِّمَ هذا الوعيَ المنقوص لمواطنينا ، منطلقا من كراهيتنا للاسلاميين .

انا حينما أُصَنِّفُ العَلمانيينَ ، لااضعهم كلَّهم في خانةٍ واحدةٍ ، منطلقا من الرؤيةِ القرانيّة ( لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ).ال عمران : الاية : 113. فاهل الكتاب لايمكن ان يوضعوا في خانة واحدة .فبعضهم الامين ، وبعضهم الخائن ، فهم ليسوا سواء. (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). ال عمران : الاية : 75. فالعلمانيون ليسوا سواء ، فبعضهم لا دينيون وملاحدة وعندهم موقفٌ حادٌّ من الدين ، لايمكن ان اساويهم بعلمانيين يصلون ويصومون ويؤمنون بالله والرسول واليوم الاخر ، ولكنهم يقولون بفصل الدين عن الدولة ، لا يمكن ان اضع كل العلمانيين في خانةٍ واحدةٍ هكذا علمني القرانُ " ليسوا سواء" .

والقولُ : بان الاسلاميينَ ينقلبون على الديمقراطية ، لاسند له في الواقعِ الخارجي ، ولايوجد مثالٌ واحدٌ انقلبَ فيه الاسلاميونَ على الديمقراطية . الاسلاميونَ في العراق ساهموا في كتابة هذا الدستور الذي هو ليس دستوراً اسلامياً ، واسسوا لهذه الديمقراطية ، وان كانت هذه الديمقراطية مشوهة وعرجاء ، وسبب لكل ازماتنا ، وفيها الكثير من العيوب ، فلايمكن الخروج عليها طالما ان هناك عقداً توافقياً عليها .

وحتى يكون وعينا للمشهد العراقي مكتملا نقول : ( ان فساد الطبقة السياسية كرسته المحاصصة الطائفية . وهذه الطبقة السياسية ، الجميع مشتركٌ فيها ، الجميع حاكمون ، الكرد والسنة والشيعة ، والعلمانيون والاسلاميون ) .

فاذا اردنا ان نتحدث عن الفسادِ والصفقات المشبوهة ، والاموال المهدورة يجب ان ندين الفاسدين جميعاً مهما كان لونهم العقائدي والقومي والمذهبي ؛ لان الله لا يحب الفساد. يقول الله تعالى :

(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ).البقرة: الاية : 205.

الاسلاميون اليوم ، مشتركون في حكومة توافقية اشترك فيها الجميع ، ولايمكن القول ، انهم اسسوا حكومة اسلامية . بل حتى المرجعيةُ الدينية دعت الى دولة مدنية ، ولم تدعُ الى دولةٍ اسلامية ؛ لانك محكوم بواقع مختلف عن الواقع الايراني . الاسلاميون في لبنان لم يطرحوا فكرة الدولة الاسلامية ، ولا الاسلاميون في تونس ... والاسلاميون في تركيا يحكمون في اطار دولة علمانية . فمن اين جئتم بالقول : ان الاسلاميين لايتعايشون مع دولة مدنية ، وينقلبون على الديمقراطية .

هناك مبدأ : ان الاسلام لا يحكم الناس بالقوة ، رغماً عن اراداتهم .... فالنجاشي على المشهور عند المؤرخين ، انه اسلم ، ولكنَّ النبي (ص) ، لم يطلب منه تطبيق الاسلام على مجتمع غير مؤمن بالاسلام . وعندنا تجربة ائمة اهل البيت عليهم السلام ، فالدولة العباسية استمدت شرعيتها من اهل البيت ، وشعار " الرضا من ال محمد" ، وجاء ابومسلم الخراساني مبايعا للامام الصادق (ع) ، ورده الامام ردا شديداً ؛ لان الامام (ع) لايؤمن بالحكم على طريقة الانقلابات العسكرية ، بل كان الائمة يؤسسون لبناء قواعد شعبية يقوم الحكم على اساس قبولها لاعلى اساس الفرض من اعلى على طريقة الانقلابات العسكرية .

لا يمكن ان يعمم نموذج داعش على كل الاسلاميين . يجب ان يعامل الاسلاميون على اساس مبدأ ( ليسوا سواء ) ، ويعامل العلمانيون على اساس هذا المبدأ ( ليسوا سواء) .

كتب الكثيرون بأن الاسلاميين يتبنون مقولة ( الحاكميّة ) التي نَظَّرَ لها ابو الاعلى المودوديّ، وتبناها سيد قطب . وشعار الحاكمية اول من رفعه الخوارج ، ورد عليهم امير المؤمنين (ع) با ن كلمتهم هذه ( كلمة حق يراد باطل. نعم إنه لا حكم إلا لله. ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله: وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن. ويستمتع فيها الكافر. ويبلغ الله فيها الأجل. ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو. وتأمن به السبل) .والامام علي (ع) يتحدث عن ضرورة وجود دولة حتى ولو حكمها فاجر ؛ لان البديل عنها ، الذهاب الى الفوضى والاحتراب الداخلي.

واغلب الاسلاميين اليوم ، لايقولون بهذه المقولة ، بل هم مشتركون في دول مدنية ، ومؤمنون بمبدأ ( التداول السلمي للسلطة) .

القران الكريم يحذرنا من الوقوع في براثن ( وعي العقدة ) الذي تُغّذيه الكراهيةُ والاحقادُ القران يقول لنا : الكراهية لانسان ليست مبررا ان تجور عليه في حكمك ، فالعدل قيمة ينبغي ان تحكم بها على العدو والصديق . ومجرد كونه عدواً ، لايبررُ لك ان تجورَ في حكمك ، وتحيدَ عن العدلِ . يقول الله تعالى :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). المائدة: الاية: 8.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك