عامر بدر حسون
ان لم تعصف بك وتغيّرك صدمة ارتكاب جريمة قتل الطفل هيثم علي اسماعيل (مواليد 2004 اي ان عمره 15 عاما) والتمثيل بجثته وتعليقها ومن ثم القيام بذبحها وسط تصفيق وتهليل الجماهير واحتفالها، فثمة مشكلة عميقة فيك: في روحك وفي ثقافتك.. ومشكلة اعمق في البيئة التي تعيش فيها!
لا شك عندي ان البيئة مريضة وان ثقافتها سقيمة ومشينة.. والا لما وجدنا الالاف او المئات وهم يتجمعون حول الجثة المعلقة يصورون ويهللون فيما البائع مستمر في ندائه: "حاجة بربع"!
مشهد الجمهور لوحده يمثل لطخة عار لا يمكن محوها او حتى الاسترسال بالحديث عنها دون ان يتلوث القلم بسخامها!
***
الجريمة التي انتشرت بالامس كشفت الموافقين عليها ضمنا او مواربة او حتى صراحة.
ومن ناحيتي اعتبر ان ابرز هؤلاء الشركاء هم من كتبوا بيان ساحة التحرير واذاعوه في اذاعة الساحة وقدموه لوسائل الاعلام!
فبعد وقت قليل من ارتكاب الجريمة واعلانهم البراءة ممن ارتكبها، قالوا واستنادا (لشهود عيان من المدنيين والقوات الامنية) انه قد (قام أحد الاشخاص من سكنة منطقة ساحة الوثبة وهو تحت تأثير المخدرات بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين وقتل عددا منهم)!
كيف تأكد كتبة البيان من نزاهة شهود العيان وهم ممن تفرجوا على الجريمة ولم يفعلوا شيئا.. بل وربما كانوا من المشاركين فيها والمبررين لها؟!
هل المسارعة بذِكْر معلومة تفتقد الى مصدر واضح ومحدد ومحايد ينطوي على رغبة في التهوين من الجريمة؟ اسأل واجيب بالقول: نعم!
ان ما جاء في البيان هو بمثابة مشاركة في القتل وتقديم المبرر له، وإلا لاكتفوا بادانة الجريمة وانتظروا تحقيقاتهم او تحقيقات الحكومة او تحقيقات الميليشيات الطيبة والقذرة على حد سواء!
***
البيئة مريضة ومرضها شنيع واي حدث يمكن ان يكشف حجم القتلة المؤجلين في مجتمعنا.
اتحدث عن كتبة الفيس بوك وتعليقاتهم التي حاولت ان تبرر الجريمة او تخفف من شناعتها..
لا اتحدث هنا عن ترديد كثيرين لبيانات حزب البعث الذي اشار الى ان القتيل (من جماعة الحكومة او انه من ميليشيا حدد اسمها) فقد يكون غياب المعلومات سببا في الانخراط بهذه اللعبة.
اتحدث عن الكتبة الذين تساءلوا ببراءة (لا تستطيع ان تخفي دنسها) بالقول:
"لماذا اثارتكم هذه الجريمة فكتبتم عنها وكنتم صامتين على الجرائم التي ارتكبتها الحكومة او الميلشيات"؟!
من كتب هذا يكذب ويعرف انه يكذب.. فالحقيقة انه لا شغل للفيس بوك طيلة الشهرين الماضيين سوى الكتابة عن جرائم قتل المتظاهرين واختطاف نشطائهم.. لكن السؤال خبيث يريد ان يوحي من جهة ان هناك صمتا، ومن جهة اخرى يريد ان يخيف من يتحدث عن الطفل القتيل!
***
ويا شهيدي هيثم!
ايها الطفل الذي اختبأ في خزانة الملابس بعد ان عجز عن ايجاد من يحميه من القتلة وما اكثرهم، اقول لك انني اعرف حجم الرعب الذي عشته وانني ما زلت اعيشه!
واعرف ان ما حصل معك هو امتداد وصدى لشعارات التهديد بالسحل التي شاعت عند البعض..
اقول لك ايها الطفل انني غير مهتم اذا كنت تحت تاثير مخدر او انك تابع لميليشيا، كما اشاع البعث في الفيس بوك، فانت مجرد طفل في الخامسة عشر ولا يجوز قتلك بهذه الطريقة او حتى بغيرها..
ولقد توقعتُ ياهيثم ان يقام لك في ساحة التحرير مأتم علّه يخفف عنك وحشة الموت طفلا بايدي الوحوش لكنهم لم يفعلوا!
ولا بأس ايها الشهيد الصغير فمأتمك سيبقى طويلا في قلبي وقلب امك وعائلتك وفي قلب من راى في قتلك جريمة شنيعة دفعته للغضب والحزن والتامل في حالنا.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)