المقالات

متى تنتهي أيها العمر؟!

1721 2019-12-16

هادي جلو مرعي

 

أيام الكلية، كان يحسب الساعات ليغادر الى منزله البعيد في الضواحي، ويحسب الأيام لينتهي العام، وكان هاجسه الوحيد بعد الرغبة في النجاح دون تعثر أن لايقبض عليه رجال الأمن، فقد كان يقرأ ل(سيد قطب) فهو إخواني، وكان يقرأ للخميني فهو من أنصار الثورة الإسلامية، ويشتري كتب الشيوعية من شارع المتنبي فقد كان متعاطفا مع ثوريتهم المهزومة، ويجتمع مع الرفاق البعثيين، ويناقش الفكر القومي وتحديات المرحلة ومايليها.

فتح عينيه على الدنيا، وكان التابوت الخشبي مغطى بالعلم الرسمي، وفي داخله جثمان خاله، وقالوا له: لقد قتله العصاة (جماعة البرزاني) وعرف بعد ان كبر إن العصاة أمة بثقافة وجغرافيا وتاريخ وعادات وتقاليد ولغة مختلفة، وهم ينزعون الى الإستقلال.. بعد سنوات، وعندما إتسعت عيناه رأى جنازة جارهم فرحان، وقيل: إنهم كانوا يغرزون المسامير في جسده، ويعذبونه بوحشية بتهمة المشاركة في إدخال صندوق مملوء بفاكهة الى القصر الجمهوري وضعت فيه متفجرات. وعندما إتسعت عيناه أكثر اخذته والدته في رحلة للبحث عن (ناقة) تركها أبوه قبل موته مع رعاة إبل، وقيل: إن الناقة أصيبت بالجرب، وكان الرعاة يطردون (ناقة اليتامى) كما يسمونها، لكنهما وجدا بعيرين خاويين، وعادا بهما، وتعلم قبل بيعهما أن يلقمهما عجينة من طحين الشعير ليتقويا، ويغريا المشترين فقد كانا ينويان بناء بيت صغير.

عند الحدود كانت عجلات (الفان) الضخمة تنقل الدبابات والعربات المدرعة تحت شعار ( علينا المال وعليك الرجال) .فيما بعد وحين إتسعت عيناه أكثر، وكان يحب القائد الملهم، كان يحسب عدد التوابيت القادمة من الجبهة، وفيها بقايا جثث لجنود ماتوا.كان يسمع بالدولة الجارة الصغيرة، ولكنه قرأ في جريدة (النداء) وشاهد في التلفاز ذات الدبابات تجتاحها، ولكن عيناه ذبلتا فيما بعد حين رأى الجنود ينهارون، وكل شيء يدمر كما كان مقدم البرنامج في التلفزيون الرسمي (فيصل الياسري) يصفه بقوله( لم يستثنوا شيئا).

حين إتسعت عيناه أكثر رغم ذبولهما كان يرى الأطفال يموتون جوعا في مستشفى الإسكان، وكان الحصار الأمريكي يطبق على كل شيء، وكانت الجنائز تمر كل ضحى من أمام كليته في شارع 14 رمضان، بينما الفنانة السورية رغدة تبكي حرقة عليهم، وهي ترتدي الجينز الأسود. في عام 2003 إتسعت عيناه أكثر، ونسي إنهما ذبلتا ليرى تمثال القائد الذي توهم أنه يحبه في الثمانينيات يتهاوى متلفعا بعلم الشيطان الأكبر!

مضت السنون، وعيناه تتسعان وتذبلنان وتضعفان. حرب طائفية، المدن التي يحبها لايصل إليها، يخاف من كل شيء من حوله، يخاف الناس، يخشى النظرات، ماكان يحلم به تحول الى كوابيس، الفساد يطبع الحياة في السياسة والدين والمعاملات في مؤسسات الدولة، والفوضى تنخر البلد الذي أحبه برغم كل خساراته فيه، والسياسيون يجتهدون في تحصيل المكاسب، ويدافعون عن الزيف، ولاأفق يمكن أن ينفذ منه الى مستقبل أفضل، بينما الناس تتذمر وتتظاهر وتحتج، والعديد يسقطون صرعى، ولايبدو من حل، فالجميع يفكر في جني مايرغب فيه دون الإهتمام بمايريده الآخرون.

منذ أيام مر بساحة النصر المجاورة لساحة التحرير، ودخل مختبرا طبيا، وأخبره الفاحص: إن ضعف بصره سببه التقدم في العمر، وقرر إنه بحاجة الى نظارة طبية. خرج من المختبر وبيده النظارة، لكنه لم يحتج إليها ليرى الحواجز الكونكريتية عند مدخل شارع السعدون التي تفصل النصر عن التحرير، وتساءل في سره: متى تنتهي أيها العمر؟

ــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
بنت المرجعية
2019-12-16
متى تنتهي ايها العمر ما حل بك حل بي كتابة رائعة لجيل عاش كل تلك السنين وما حملته من ماسى
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك