محمود الهاشمي
بات المواطن العراقي يشعر تماماً انه بلا سلطة ولا امن ولا مستقبل، وذلك لم يأت اختراعاً من ذهنه او "افتراضاً" انما الحقائق على الارض هي التي صنعت له هذا الراي، بعد ان شهد ان "الطبقة السياسية" التي قادته على مدى المرحلة من عام 2003 وحتى الان "2019" هي طبقة "فاسدة" انتجت له فساداً ادارياً ومالياً يضرب في مفاصل الدولة، وبطالة وازمات تبدأ من السكن والى باقي الخدمات وبنى تحتية لمصانع ومعامل متهالكة وشعباً يبحث عن زاده في القمامة..ناهيك عن موازنة تشغيلية تذهب اموالها لـ"7" ملايين موظف ومتقاعد من غير القوات الامنية بكل صنوفها.
لم يعد المواطن العراقي يثق بان لديه "سلطة تحكمه" فكل الاسماء والعناوين في نظره "فاسدة" او "عميلة"!!..
كما ان قواته الامنية لم تعد قادرة على حمايته وهي "تتفرج" على صبي يستقدم من منزله وامام اسرته لمجرد انه دافع عن عرضه ليضرب حد الموت ويعلق ويذبح وعلى مدى اربع ساعات في وضح النهار وفي ساحة عامة وسط العاصمة بغداد...في ذات الوقت فهو يشهد الحرائق في مؤسسات الدولة والممتلكات الخاصة، وتقطع الطرق العامة ويطرد الموظفون ويهانون في دوائرهم، ويعطل التعليم وتتوقف الحياة!!.
في الجانب الاخر, كيف للمواطن ان يثق بان له ولاسرته من مستقبل في ظل حكومات لمجرد "تصريف اعمال" وبطبقة سياسية حولت مؤسسات الدولة لمجرد "دكاكين" ترتزق منها، ولا تتحرج ان تسرق اموال اليتامى والمساكين واسر الشهداء والفقراء والمرضى؟
كيف يضمن مستقبله والاطمئنان على حياته، وقواته الامنية فرت امام (400) داعشي من الموصل وهي التي يومها تعدادها (100) الف؟ ..ثم تركت ذي قار وتنحت لتدير شؤونها "الامنية" العشائر؟..
ليأتي السؤال : كيف اصبح العراق على هذا الحال "دون سلطة ، دون امن، دون مستقبل"؟.
العراق بلد فيه من مسلتزمات العيش الهانيء والاستقرار الكثير فهذا البلد يمتلك ثروات نفط وغاز ومعادن وارض خصبة ونهرين عظيمين وموقع جغرافي في قلب العالم، وفيه من الثروات البشرية والطاقات، والعمق التاريخي، والاساس العلمي والفكري الكثير، وهي "نعمة" تفتقر لها اغلب دول العالم.
والسؤال الاخر: كيف لبلد يمتلك قواتا امنية بلغ تعدادها "مليون وثلثمائة الف" منتسب، وبافضل التسليح والتدريب ان لا تدفع الشر عن اهلها وتقف مكتوفة الايدي امام حل التجاوزات الانفة الذكر، مع ان هذا العدد يفوق حاجة البلد، حيث ان حاجة العراق وفقاً لمساحة ارضه وسكانه لا تتعدى (450) الف منتسب!!.
هذه الاسئلة يجيب عنها التعريف الاتي:
"الجيل الرابع للحرب، هو الحرب التي لا تكون بين جيش واخر او صدام مباشر بين دولة واخرى تستخدم فيها الدولة كل الوسائل والادوات المتاحة ضد دولة "العدو" لاضعافها وانهاكها واجبارها على تنفيذ ارادتها دون تحريك جندي واحد ويستخدم فيها الاعلام والاقتصاد والراي العام وكل الادوات المادية والمعنوية بما في ذلك مواطني "البلد" الخصم نفسه.
هذا التعريف للجيل الرابع للحرب اول من ثبته هو المفكر الامريكي "ويليام ستركس يند" عام 1989، وعملت به الولايات المتحدة في دول عديدة، وتجلت صورتها في ثورات "الربيع العربي" حيث الى الان، فان المواطن في هذه الدول لا يشعر –تماماً- ان لديه سمات دولة، بما في ذلك الدول الخليجية التي لم يمسسها "الربيع" فليس جزافاً ان الرئيس الامريكي ترامب يهزأ من امراء وملوك الخليج وذلك لاشعار مواطني هذه الدول انهم "دون سلطة" وان قادتهم مدعاة للسخرية!!.
عملت الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي على "اضعاف العراق" حيث حطمت بناه التحتية بالكامل وجعلته يغط في ظلام دامس، واوقعته تحت "البند السابع" الذي اصبح فيه البلد تحت الوصاية الدولية فعم الجوع والفقر وتدهور في حياة المجتمع، حتى بدى العراق وكانه يعيش القرون الوسطى، وحين تيقنت امريكا ان العراق لايملك ان يدافع عن نفسه، اجهزت على بقاياه من جيش ومؤسسات دولة وبنى تحتية، ليقف مكتوف الايدي "عاجزاً عن اي رد" وفي حرب غير متكافئة تصنف بـ"الجيل الثالث للحرب" حيث تسمى الحروب الوقائية او الاستباقية باعتماد "المرونة، السرعة، عنصر المفاجأة الحرب وراء خطوط العدو"، وقد انتهت بما انتهت اليه من تشكيل حكومات "متعاقبة" من مجلس حكم ثم الجمعية الوطنية، بعدها اربع دورات تشريعية، اعتمدت فيها مبدأ "الطائفية والعرقية والتوافقية، والشراكة" وهي مبادئ بعيدة عن تقاليد الديمقراطية.
بعد ان انهت امريكا مع العراق " الجيل الثالث للحرب" شرعت بـ "الجيل الرابع للحرب" وهي اخر اساليب الحرب المدمرة التي تهلك الدول من الداخل وتشعر مواطنيها انهم :
1-دون رمز سياسي او ديني او اجتماعي.
2-فقدان الثقة بالنفس.
3-الشعور بالاحباط والهزيمة.
4-فقدان الامن.
5-بلا مستقبل.
لاشك هذه الحرب تعد من اخطر الحروب، ويتم الاعداد لها بمهارة عالية ابتداء من صناعة "دولة فاشلة" وتنتهي الى ان المسؤول غير قادر على تحريك جندي واحد ليأمره بالقيام بواجبه بالدفاع عن ممتلكات الدولة والمواطنين، وقد تصل التحضيرات الى مستوى الاتفاق مع "الدولة المجاورة" لتهيئة مستلزمات استقبال المهاجرين ودفع مبالغ الى هذه الدولة لغرض تقبل الامر!!.
في اللحظة التي اكتب بها هذا المقال، تكون التحضيرات قد اكتملت في نجاح حروب "الجيل الرابع" فليس لدينا حكومة "بلا سلطة" وليس لدينا امن "بلا امن" وليس لدينا مستقبل "بلا مستقبل" ...
فيما يقف المواطن العراقي مذهولاً ويسأل: من اوقف الحياة بهذا البلد؟ الجواب بكل سهولة، ان اول حرب "الجيل الرابع" تبدأ من صناعة دولة فاشلة، والمجيء بشخصيات سياسية "مازومة" ثم تحطيم البنى التحتية في البلد لكي لايقوى على اي نهضة صناعية او زراعية، هجرة الطاقة المبدعة، نتيجة الحرب الاهلية عام (2006) وقتل واغتيل من بقي منهم، ادخال التنظيمات الارهابية التي باشرت بصناعة الموت واثارة الرعب، وتفجير المراقد الدينية وتحطيم الاثار التاريخية وسرقة المقتنيات، وترسيخ حرفة الذبح والقتل وانتهاك الاعراض..فيما سخرت الولايات المتحدة مواطنين عراقيين في ادارة وسائل الاعلام وتم اختيارهم بعناية لقبول المشروع الذي جعل المواطنيصاب بالاحباط والهزيمة، وان يكون ساخطاً حتى على الاعراف والقيم العامة، فيما لايقوى احد على منعه في الاحتجاج.
على الرغم من الحكومة العراقية لديها معلومات دقيقة ان موعد خروج التظاهرات بالبلد سيكون في (1102019) وان الشيخ قيس الخزعلي قد اكد ذلك قبل شهرين من هذا التاريخ واعطى مواعيد التظاهر بالدقة والموعد والاهداف التي وراء ذلك "صفقة القرن" لكنه نفسه لم يستطع ان يدافع عن مقار حزبه ولا عن القيادات التي قتلت على مشهد من القوات الامنية، فيما ذكر فيما بعد انه اتصل بجميع المسؤولين الحكوميين والامنيين دون جدوى، فقد قتل "وسام العلياوي ومعه اخوه"، في عجلة "الاسعاف" الحكومية وبالعلن!!.
الحادثة الاخيرة في ساحة الوثبة تكون قد "حُنّطت" القوات الامنية بالكامل واعطت اشارة لجميع ابناء الشعب العراقي ان تدافعوا انتم عن انفسكم فليس هنالك دولة ستحميكم!!.
ان واحدة من اقوى نجاحات حرب "الجيل الرابع" ان الجميع يتسّمر في مكانه، من :
1-قيادات سياسية.
2-قيادات امنية.
3-نخب مثقفة.
4-قيادات حكومية.
هذا الامر يجعل الشعب يتقبل جميع "الخيارات"
هل يستطيع احد ان يتكهن الى اين ذاهب البلد؟..
ان جميع الاسماء التي طرحت للترشيح لرئاسة الوزراء سترفض مهما كان شكلها او عناونها و تاريخها، وعندها سيوافق الشعب على من تمت "تهيئته" سواء كان عسكرياً او مدنياً !! او ربما سيسعد ذلك الشعب لان اول بيان سيصدره "سيتم محاكمة الفاسدين"!!
لن يحاسب احد، لان الذي ّ صنّع "دمية" الاول هو ذاته الذي صنع "دمية الثاني" وسيبقى شعار "القضاء على الفساد" مجرد عنوان لاعتقال من يقف امام "المشروع".
فالدمية الاولى رفضناها لانه من "مزدوجي الجنسية" و الدمية الثانية اسرته "وديعة" عندهم !!.
المخطط الذي تم على العراق ليس سهلاً، كما ليس من السهل تجنبه، فبعد ان حيدوا اقليم كردستان بالكامل، وجعلوه غير معني بشؤون بقية البلد، لدرجة ان جيل التسعينيات "الجيل الحالي" للاقليم ليس فيهم من يتكلم العربية!!.
المناطق الغربية عاشت ويلات الحرب الاهلية والتنظيمات الارهابية والخوف والرعب والفاقة وزرعوا في نفوسهم"التهميش" لذا فهم غير معنين بباقي الاجزاء من بلدهم وقد نقموا على كل شيء، واي مشروع يشعرهم بأ"الاقلمة" سيعتبرونه نجاة لهم !!.
مناطق الجنوب والوسط لم يمسسها الضر كثيراً، وتشعر بنوع من "السطوة" على الحكم، ومازال فيها بقية من احترام الدولة ومؤسساتها، لذا انحسرت "جغرافيا" تظاهرات "تشرين" في حدودها، وسوف تجهز على هذه "البقية" بعد ان تحسست الخطر من مشاهد القتل والترهيب ، وغلق الموانئ والمدارس والجامعات وفقدان الامن.وعمال الحرق والتدمير ، ولم تعد اي جهة قادرة على اعادة الحياة سواء (المرجعية) التي طال المحافظات التي تسكنها الحرق والتدمير أو (العشائر) اللذين لا يمكن لهم ان يكونوا بديلاً عن (الدولة) ومن هذا فان ابناء الجنوب و الوسط ليس لهم الا ان يتقبلوا جميع (الخيارات) خاصة وان الولايات المتحدة استطاعت ان تفرغهم من عمقهم (المذهبي) والتأريخي والجغرافي وهي دولة ايران بعد ان أحرقوا هم بأيديهم مؤسساتها الدبلوماسية وهتفوا ضدها (بره بره ايران)
رب سائل يسأل :- هل من المعجزة ان نقف امام هذا المشروع ؟
ان الذي اعد المخططات و (الانقلاب) على رجب طيب اوردغان في تركيا عام 2016 وجعله لا يملك سوى جهاز (الموبايل) بيده هو نفسه الذي قاد المخطط على دول (الربيع العربي) وعلى العراق ايضاً ..(انه محمد دحلان) القيادي السابق في حركة فتح و (مفوض الاعلام والثقافة في اللجنة المركزية لحركة فتح سابقاً) وهو مطرود منها ويسكن الامارات ومطلوب لدى تركيا!!
لا شك انه بعد ان استطاع اردوغان اعادة السيطرة على البلاد زج (160)الف شخص في الاعتقال واقال (16)الف موظف واكاديمي وغلق (150) وسيلة اعلام وأغلق (2200) مؤسسة و (19) اتحاداً ناهيك عن زج العشرات من الضباط ورجال الامن في السجون والمعتقلات ، وعمل على تحويل البلد من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي .. وما زالت آثار (الانقلاب) في تركيا قائمة .
في فنزويلا ايضا كان التحضير للانقلاب جاهزاً الى درجة ان امريكا جهزت جيرانها (كولمبيا) بالمخميات والدعم اللوجستي لاسكان المهاجرين ، لكن التدخل الروسي العسكري الصيني الايراني عطل (الانقلاب) .
ليس من المستحيل ان نقف امام هذا المشروع (الخطير) والذي سيؤدي الى انهيار بنية الدولة والعودة الى:-
1- نظام عسكري ودكتاتوري
2- وقف حرية الاعلام
3- زج الالاف بالسجون والمعتقلات
4- افقار البلد
5- شيوع الفساد اكثر
6- أقلمة البلد
7- انشاء قواعد عسكرية اجنبية
8- اقتطاع اجزاء من محافظة الانبار لاسكان الفلسطينين ضمن مشروع (صفقة القرن)
9- الغاء الحشد الشعبي
10- التطبيع مع اسرائيل
وان اردنا مواجهة هذا (المشروع) يلزم
1- تقوية العلاقات مع روسيا ومنحها فرص استثمارية وعسكرية في مجال التسلح والتأهيل.
2- تقوية العلاقة مع الصين واحياء مشروع السيد عادل عبد المهدي (البنى التحتية)
3- تقوية العلاقة مع ايران كدولة جارة
4- تقوية العلاقة مع سوريا
5- دعم الحشد الشعبي لاعادة هيبة الى القوات الامنية والسيطرة على الشارع
6- ابعاد طبقة السياسين الفاسدة والمجيء بشخصيات وطنية
7- طرد واحالة جميع القيادات العسكرية التي لها ارتباطات مشبوه مع امريكا
8- العمل على غلق جميع المنظمات الاجنبية المشبوهة
9- انتاج اعلام هادف يعيد الثقة للمواطن العراقي بنفسه وتاريخه
10- غلق جميع وسائل الاعلام المغرضة و المشبوهة
11- الاستفادة من النخب المثقفة و اصحاب الرأي من المشورة او المشاركة في صناعة القرار
12- دعم المؤسسات الثقافية والدينية بالشكل الذي يجعلها فاعلة في التاثير بالشارع وصناعة الرأي .
https://telegram.me/buratha