د. حسين القاصد
حين تريد أن تشكل رأيا جمعيا فإنك تحتاج لجمهور من الناس تجمعهم مشتركات سيتخلون عنها ، ويتمسكون بآرائك بعد هيمنتك على بوصلة طموحهم أو تفكيرهم .
هذا ما حدث في عمليات النهب والسلب بعد سقوط النظام الساقط ، بعد أن تحول الفعل الفردي الشاذ إلى غاية مشتركة كانت صدى لخطاب ذاب في زحمة الأصوات .
يقول غوستاف لوبون عالم علم النفس الجماعي في سيكلوجية الجماهير : (إن الفرد إذا كان في الجمهور صار من السهل تحريكه وتوجيهه فيتصرف على طبق هوى التحريض والإثارة) . لذلك ترى الشخص الذي كان يتصرف ضمن المجموع يستغرب تلك القوة أو الجرأة على فعل لن يقوم به لو بقي وحده مدى الحياة ، وسبب هذا بحسب غوستاف نفسه هو لأن ( الجمهور أكثر انصياعا للمحرضات من الفرد المعزول ، لأن الفرد المعزول له الأهلية أكثر في السيطرة على ردود فعله ، في حين أن الجمهور لا يمكنه ذلك ) ، ولا شك أن الأمر ينطبق على كثير من الأمور في العراق ، فلولا التهيأة الجماهيرية التي تكررت صورها لحفلات السحل والقتل لما وجد جمع غفير من الناس ، بعضهم بدافع الفضول ، للتجمهر حول صبي تم قتله بطريقة وحشية ثم سحله وتعذيبه وهو ميت ! .
ولو كان الإنسان بمفرده لتراجع حتى عن التقاط الصور التي كان يظنها نصرا ، ذلك لأن ( التحريضات الموجهة إلى الجمهور تكون أكثر قوة وفاعلية منها إذا كانت موجهة إلى الفرد المعزول ، إلى درجة أن غريزة حب البقاء نفسها تزول أمامها ...
فالجماهير لا تبخل بحياتها عندما يحدث الهياج الشعبي ) ، ومثل هذا نستطيع قراءة السلوك الفردي وسلوك الفرد كجزء من الجمهور ، فقد يعود طالب الدراسات العليا والأستاذ الجامعي الى الجامعة في وضعه الفردي ، مثلما يذهب الموظف إلى دائرته ، لكنه ما أن يطلق العنان لخطابه المنصهر مع الجمهور تجده يرفع لافتات الاعتصام وتخوين من يلتحق بالدراسة ! ، وهذا لأن( لا شيء مدروسا عند الجماهير ، فهي تستطيع أن تعيش كل العواطف وتنتقل من النقيض إلى نقيضه بسرعة البرق وذلك تحت تأثير المحرض السائد في اللحظة التي تعيشها ) وهو ما حدث في ساحة الوثبة ، فلو عرضت ما حدث على شكل فيلم مصور سيهرب من مشاهدته أغلب الذين حضروا الحادثة ، لأن المشاهدة الفردية ستكون مهزومة أم العاطفة الإنسانية غير الخاضعة للمحرض ، الذي هو نفسه يرفض استئناف الدراسة ولكنه حين يعود للبيت لا يستطيع أن يمنع أباه من الذهاب للجامعة أو أخاه أو أخته ، لأنهم قد لايشكلون معه جمهورا ولديهم القدرة على مواجهة المحرض الصغير الذي يتضاءل داخل بيته لكنه يستأسد حين يكون مع الجمهور .
لا يتحرر الفرد من السلوك الجمعي الا اذا تم بناء سلوك جمعي انساني ، لكي يتفرع إلى سلوك أفراد ، ولا يندم الفرد بعد مغادرته مكان الصوت الواحد او السلوك المهيمن .
ـــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)