د . جواد الهنداوي .
جميعها ينبغي أنْ تُحسَبْ تعبيراً عن أرادة الشعب .الدستور و مجلس النواب هما تعبيراً رسمياً عن أرادة الشعب ،كل الشعب ،بينما الاحتجاجات و التظاهرات هي تعبيراً غير رسمياً عن أرادة الشعب ،بعض الشعب او غالبية الشعب.
الدستور و مجلس النواب يُجسدان إرادة الشعب في قيام الدولة والحفاظ عليها ،بينما الاحتجاجات و التظاهرات يجسدان إرادة الشعب في الاعتراض على سلوك و قرارات سلطات الدولة ، و سعي لتصحيح المسار السياسي و الإداري لسلطات الدولة .
علاقة متداخلة و متشابكة بين هذا الثلاثي ( الدستور ، مجلس النواب ،التظاهرات والاحتجاجات ) ،الذي يعود الى أرادة الشعب او الذي يمثل إرادة الشعب . والسياسة الناجعة هي التي تفلح في تسخير عناصر هذا الثلاثي في احترام وصيانة إرادة الشعب .
احترام الدستور ،بعيوبه ، وعدم انتهاكه هو احترام لارادة الشعب ، احترام قرارات وارادة مجلس النواب هو احترام لارادة الشعب ، حتى و إن كان المجلس او ما قررّه المجلس موضع انتقاد او عدم رضى . احترام صوت المتظاهرين ودراسة مطاليبهم وتلبيتها بما يتماشى مع الأحكام الدستورية و القانونية هو أيضاً احترام لارادة الشعب .
ليس بالأمر الجديد استسهال بعض السياسيين و بعض المسؤولين ، وبعض الأحزاب و بعض المكونات فعل خرق الدستور او القوانين ، ومن الذنوب الكبرى التي أُرتكبتْ و رافقت المسار السياسي هو تجاهلنا لمبادئ أساسية في بناء الانسان والمجتمع والدولة ، ومنها مبدأ تكافئ الفرص و المساواة امام القانون ، واحترام الدولة والولاء لها وليس للآخر ، والدفاع عن سيادتها ، و تطبيق الدستور والقوانين و عدم تجاوزهم وفقاً للمصالح و الأهواء والرغبات و الأجندات .
ليس بالأمر الجديد تجاهل شرط الكتلة الأكثر عدداً في تشكيل الحكومة ، تمّّ التجاوز على هذا الشرط الدستوري عند تشكيل الحكومة قبل عام ! في كل ما تقّدم ،تجاوز على الدستور ، ويعني ذلك تجاوز على إرادة الشعب .
لا يمكن قبول التجاوز على الدستور ، وعلى مجلس النواب ، رغم عيوبهما ، و كلاهما يمثلان إرادة الشعب ،بذريعة احترام إرادة الشعب في ساحات التظاهر و الاحتجاج . على جميع السلطات الدستورية (التشريعية و التنفيذية ) التقيّد بالدستور والعمل ضمن إطار الدستور و ايجاد الحلول للتحديات و للمطالبات ضمن سقف الدستور ، وفي مثل هكذا ظروف تُختبرْ حُنكة و فطنة و دبلوماسية السياسي و المسؤول .
حّلْ الأزمة التي يمّرُ بها العراق ، وكما ذكرتها في مقال او مقالات سابقة ، لم يكْ بيد حكومة السيد عادل عبد المهدي المستقيلة ، ولا بيد السيد رئيس الجمهورية ، الذي فضّلَ ارتكاب مخالفة دستورية برفضه أداء عمله الدستوري بالتكليف ، و بغض النظر عن مقبولية او عدم مقبولية المرشّح من قبل المتظاهرين ، و إنما الحلْ هو بيد مجلس النواب . هو وحده المسؤول و بيده خيارات حَّل الأزمة ، و من بينها حّل مجلس النواب والدعوة الى انتخابات مُبّكرة . كان المفروض على رئيس الجمهورية الاستمرار في التفاوض و المضي قدماً وفق السياقات الدستورية للوصول الى الحل .
ارتقى اكثر من ٤٠٠ شهيد و جُرحَ الآلاف و أُغتيل العديد ، ولمْ يُفكَر الرئيس بالاستقالة لفقدان الامن وازهاق الأرواح ، لماذا الدفع بالاستقالة الآن امام استحقاق دستوري و ترشيح ،لم يكْ للرئيس دوراً فيه سوى التكليف انصياعاً لامر الدستور ؟
العنف الذي شهدهُ ويشهده العراق ، وفقدان ثقة الناس بالدولة وبالنظام السياسي وبالأحزاب هما نتائج متوقعة لمسار سياسي أمتهنَ ،للاسف ، التجاوز على الدستور والقوانين والمبادئ الإنسانية التي تبني المواطن والمجتمع والدولة .
واجب احترام إرادة الشعب مبدأ عام وشامل و غير قابل للتجزأة و سياسة الانتقاء : هذا الواجب يقعُ على عاتق المواطن مثلما هو أيضاً مسؤولية الحاكم .
كان لزاماً علينا احترام إرادة الشعب في محاربة الفساد و محاربة المحسوبية و محاربة سياسة التراضي و التوافق على حساب المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب ، كان لزاماً علينا ، و منذ بدء المسار السياسي الجديد ،مواجهة التجاوز على الدستور والقوانين وحقوق الناس . لولا تهاوننا مع سياسة التجاوز والفساد لما أقدمَ الشعب وبهذه الدرجة من الحدة والإصرار والعنف بالتعبير عن ارادتهِ .
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)