محمود الهاشمي
من المعلوم ان الدول المتقدمة عندما تخطط الى (حدث) لا تكتفي بالية (الحدث) فقط ، بل ان التخطيط يشمل كل الحيثيات والاستعدادات وردود الفعل ، بما في ذلك (الاعلام) وفي مراحله السابقة والانية واللاحقة .
ليس غريبا اذن ان نطالع ردود الفعل الاعلامي (بوسائله كافة) ان يقلل من حجم (الضربة) الايرانية التي طالت قاعدتين في العراق ليلة الثلاثاء على الاربعاء ، في عين الاسد واربيل والادعاء (ان الضربة دون خسائر) و (هناك اتفاق مسبق بين البلدين) لدرجة ان بعض الردود عبر السوشيل ميديا وصلت الى مستوى ان تكتب (برداً وسلاماً على امريكا وجنودها) !
مثل هذه الردود ، ليست غريبة علينا ، فعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي منيت بها امريكا في الحرب الفيتنامية الا ان اعلامها ركز على ان ((الحرب الفيتنامية كانت ميدانياً لتدريب الجيش الامريكي ، ومكاناً لتجريب الاسلحة الامريكية الجديدة)) ، وربما صدق ذلك (البعض) وتداولوها !
قلنا في مقال سابق وقبل الضربة الايرانية للقاعدتين العسكريتين ، ان الصحافة الامريكية كانت قد سربت (خياراً) الى ايران بامكانية افراغ قاعدة او اكثر امريكية ليتسنى لايران مهاجمتها والثار لحادثة (المطار) كما سربت خيارات اخرى من عرض اسماء قادة عسكرين لغرص اغتيالهم بديلا عن الحاج قاسم سليماني وغيرها ، وبذا فان جميع الاحتمالات لردة الفعل الايرانية ، تم التحضير لها إعلاميا .
لا شك ان (الراي العام) غالباً ما يتداول الحدث وفق مبدأين الاول توفر القناعة السريعة لدى الاوساط العامة والثاني في ردود (فعل متواضعة في (التكذيب) لضعف الحجة ، لكن (النخب) تدرك المخططات فمثلاً ان السيد حسن نصر الله اخبر الحاج قاسم سيلماني ان عليه الحذر قبل اربعة ايام من اغتياله مستندا الى متابعة الصحف الامريكية التي بدات منذ اشهر تضع صوره على صفحاتها الاولى وتكتب العناوين (لابديل عن قاسم سليماني) اي (في حال اغتياله لا بديل عنه لدى ايران) !
ردود الفعل لدى القادة الامريكان بعد حادثة قصف القاعدتين العسكريتين في عين الاسد واربيل جاءت (باردة) حتى ان الرئيس الامريكي ترامب تاخر في خطاب الرد ليأتي لا حقاً (كل شيء على ما يران فهل سينتهي الامر ) ؟
وكانه يوحي بان اتفاقاً قد تم بينه وبين ايران ! اي (واحدة بواحدة)
امريكا تدرك تماما معنى ان يغتالوا شخصية بمستوى الحاج قاسم سليماني ، بعد سلسلة الهزائم التي منوا بها في الشرق الاوسط ، والعالم ايضاً ، حيث اسقاط طائرتهم المسيرة وحرب الناقلات والفشل في حماية اصدقائهم من دول الخليج ، وصمود المقاومة في غزة ولبنان والعراق واليمن وسوريا ، وهزيمتهم في افغانستان ، كما فشلوا في اركاع ايران على مدى حصار دام (40) عام واعتقدوا ان اغتيال (الحاج قاسم سليماني) سيغطي على هزائمهم !
ان رواية (الاتفاق المسبق) تدحضها الحجج الاتية :-
1- هذه سابقة لا تتقبلها السياسة الامريكية ، لا في الاوساط السياسية ولا العامة
2- امريكا اقوى دولة في العالم عسكريا و اقتصاديا كيف لها ان تتفاهم مع خصمها بمنطق (الند بالند) مهما كان حجمه وقوته ، وهذا الامر لا تفعله حتى مع الاتحاد السوفيتي .
3- هذا (الاتفاق) سيضعف من شخصيتها امام شعبها وامام العالم لان فيها (مهاذية) وبذا تصبح امريكا ليست صالحة لجماية اصدقائها والوثوق بها
4-ان افراغ منزل انت تسكنه لخصمك بعد خطأ ارتكبته بحقه يعني (الاستسلام) بانه قادر ان يردك متى يشاء .
5- ان ايران عندما أسقطت الطائرة الاميركية التي دخلت قليلا في حدودها ،كانت قد تهيأت للمنازلة مع امريكا . لذا فهي جاهزة للرد في اي لحظة ،فما يدعوها للتراجع ؟
6- ان البعض يتحدث عن عدم حصول ضحايا بين صفوف الاميركان اثناء سقوط الصواريخ
وهو امر مردود لان من اطلق النار يعرف عدد ضحايا خصمه خاصة وان السماء ملأى بالأقمار الصناعية واجهزة الرصد .
ان سلسلة التصريحات التي اعقبت ضربة ( القاعدتين) من قبل ايران أفصحت عن دعوات للتهدئة سواء من قبل ايران او من قبل الولايات المتحدة ،وكأن الطرفين رضيا بما هو واقعي !
عندما نؤشر ان امريكا بحاجة الى واقعية في التفاهم مع العالم لانها لم تعتد مثل هذا المنطق السياسي،حيث دأبت ان ترى الدول مجرد اسماء وعناوين تفعل بها ما تشاء وتحورها كيفما تشاء ،وان الضربات التي تلقتها من قبل إيران احدثت لديها (صدمة) وكذلك عند أصدقائها بالشكل الذي راحوا يؤولون نيابة عنها ويبررون فشلها !
رب سائل يسأل :- لماذا تخشى امريكا ردة الفعل الايرانية فتنازلت عن الكثير من هيبتها؟
السبب يكمن ان ايران عملت في خطين الأول البعد المادي الحضاري الذي جعلها في مصافي دول متقدمة كثيرة ،والثاني البعد الروحي الذي يضاعف الهمة ويختصر المسافات ويرى في الرد على الخصم واجبا شرعيا وفي القتل عادة والكرامة من الله الشهادة ،وبهذا السر استطاعت ان تواجه امريكا وحصارها أربعين عاماً.
ليس امام الولايات المتحدة سوى ان تكون واقعية في تقبل دولة (إسلامية ) وان تفاوضها
دون ادنى (عنجهية) بل (الكفء بالكفء)
وعندها ستستقر المنطقة عموما ،ولا نحتاج الى مواجهات وطائرات ومدافع وبوارج ،فعنوان الإسلام هو (العدل والسلام )
في ذات الوقت علينا ان نتوقع سيناريوهات مواجهة فايران خبرة (الخبث) الاميركي لذا ستبقي يدها على الزناد .
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha