زينب فخري
ليس من اليسير الاقتصار على تعريف واحد لمصطلح "الأزمة"، ذلك المصطلح القديم في الاستعمال، والأكثر شيوعاً في عصرنا الراهن، الأخذ بالتوسع في معناه مع الزمن ليصبح ذات تعاريف متعددة وليتسم بالشمولية والتنوع.
ففي أدبيات السياسة تعني: "حالة أو مشكلة تأخذ بأبعاد النظام السياسي وتستدعي إيجاد قرار لمواجهة التحدي الذي تمثله"، أما في الاقتصاد، فهي: "انقطاع في مسار النمو الاقتصادي حتى انخفاض الإنتاج". وقد جاءت في العلوم الاجتماعية بمعنى الفوضى التي تعاني منها الناس والحكومات والدول. وتُعرَّف الأزمة على أنَّها تعني: "تهديدًا خطرًا متوقعًا أو غير متوقع لأهداف وقيم ومعتقدات وممتلكات الأفراد والمنظمات والدول والتي تحد من عملية اتخاذ القرار".
وفي كتاب بعنوان "إدارة الأزمات السياسية واستراتيجيات القضاء على الأزمات السياسية الدولية"، للباحث والأكاديمي المتخصص في العلوم الاستراتيجية والإدارية، الدكتور محمد سرور الحريري يقول إنَّ عملية إدارة الأزمة تتطلب عددًا من الأمور، من بينها أن يكون هناك إدراك بأن هناك أزمة، ومهمة فريق الأزمة بالأساس تتمحور حول عدد من المهام، من بينها: التنبؤ بالأزمات والمشكلات المختلفة، ووضع بدائل لها، ووضع خطط مستقبلية متكاملة للتعامل مع الأزمات وتوجيه النصح والإرشاد للمسؤولين، كلّ في مجاله.
وهناك مناهج مختلفة للتعامل مع الأزمات، وتُقسم إلى اتجاهَيْن: الأول سلبي، يعتمد إما على إنكار وجود الأزمة، وتجاهل التعامل معها أصلاً، أو على الضغط عليها، ومحاصرة كافة المنافذ التي تؤدي إليها، وعزلها عن العوامل التي أدت إليها، أو تشكيل لجنة خاصة للتعامل معها، بشكل يؤدي إلى تضييع وقت طويل في التعامل معها، بما قد يؤدي إلى تفاقمها.
والمنهج الثاني هو المنهج الإيجابي في التعامل مع الأزمة، عبر الاهتمام بالجوانب السياسية والاجتماعية في الدولة ومعالجتها، وتشجيع المشاركة السياسية والمجتمعية، وتفتيت الجوانب السلبية للأزمة، وتشكيل فرق عمل مخلصة تعمل على إيجاد حلول ناجحة للأزمات التي تواجه الدولة، بشكل فني ومخلص، كذلك محاولة امتصاصها، وتغليب مصالح المواطنين، والاهتمام بالجوانب الاقتصادية والثقافية للمجتمع وتطويرها، بحيث يكون المجتمع عاملاً مساعدًا على معالجة الأزمات.
ولأنَّ للإعلام أهمية في إدارة الأزمات، بل له دور محوري ومؤثر لاسيما مع الأحداث الساخنة، إذ يستطيع التأثير بشكل ملحوظ، سلباً أو إيجاباً، حسب المحتوى. ومن البديهي المطلوب من الإعلام هو التعامل مع الأزمة بمنهج علمي وليس من خلال سياسة الفعل وردّة الفعل، وحينما يتعلق الأمر بمصير الوطن ومحاولة زعزعة أمنه واستقراره وجره الى حافة الهاوية، فينبغي على الإعلام ممارسة الدور الايجابي، والتوعية في إدارة الأزمات وأهميته من خلال المسؤولية التي يتحملها الإعلام الواعي؛ لذا يطلق عليه إعلام الأزمات أو ما يسمَّى "إعلام المواجهة وإعلام الطوارئ".
إنَّ أي أزمة تتطلب استخدام كلّ وسائل الاعلام لإعداد مناخ إعلامي للمواجهة، ويكون له أثر في جميع مراحل الأزمة، ابتداءً بالمرحلة الأولى المتمثلة بظهور مشاهد ومواقف تشير إلى احتمال حدوث الأزمة مما يستوجب الحذر والاستعداد مع وضع الخطط المناسبة، وتتلخص مهامه في هذه المرحلة بقياس الرأي العام ومعرفة اتجاهاته، وتوفير المعلومات اللازمة لمواجهة الأزمة واتباع تغطية إعلامية (تحليلية)، وتفسيرية، ونقدية، مروراً بالمرحلة الثانية، المتسمة بالاتساع والنمو، ويختلف فيها دور الإعلام عن المرحلة السابقة، إذ يقوم بمهام، منها: العمل على استقرار وتماسك الجبهة الداخلية، مقاومة السلوكيات السلبية وتأكيد السلوكيات الإيجابية وضرورة إعداد الرأي العام لتقبّل نتائج الأزمة وغيرها. وانتهاءً بالمرحلة الثالثة، وهي مرحلة انحسار الأزمة ويتغير فيها مهام الإعلام، إذ يعمل على التقليل من أثار الأزمات على الروح المعنوية للمواطنين، وازالة الأثار السلبية للأزمة، ودراسة أثر الأزمة على الترابط الاجتماعي بين المواطنين، وتقييم مدى نجاح أجهزة الإعلام المختلفة في القيام بدورها أثناء الأزمة.
ولكن غالباً ما يحدث خلل في المعالجة الإعلامية للأزمات والكوارث، وتتمثل بـ:
– التعامل الجزئي والانتقائية في نقل الحقائق والوقائع على وفق المصلحة.
– اعتماد المبالغة والتهويل والتناقض أثناء الأزمة وبعدهما للحصول على مكتسبات مادية ومعنوية أو تنفيذاً لأجندات معينة.
– التعتيم الإعلامي على الآراء المخالفة؛ وذلك في سياق احتكار المعلومات لصالح جهات محددة.
- عدم التوازن في تناول الموضوعات السلبية والإيجابية مقابل التركيز على السلبيات أكثر من الإيجابيات.
- تهميش بعض الفئات وإهمالها واتباع سياسة الصمت الإعلامي تجاه مشاكل البعض أو واقعهم.
- الارتكاز على الأزمات لصنع جماهيرية المقدِّم والفضائيات: فالبرامج الحوارية التي تعتمد عليها الكثير من القنوات في فترة الأزمات تهتم بجذب أكبر عدد من المتابعين وبوسائل مختلفة قد تكون منافية للأعراف والسياق العام، وأحد أسوأ الأنماط المستخدمة في فنون الحوار إحراج الضيف، في حين أنَّ الحوار الناجح يحيط بجوانب الضيف بطريقة سلسة ومنسجمة، ويستطيع المحاور تحقيق سبق عبر أسلوبه الحواري، وكلما نجح المحاور في الحصول على الإجابة المناسبة، كان ذلك نجاحاً مهنياً وأخلاقياً وعلى مستوى أمانة العلاقة مع الجمهور، الذي لا يجب انتهاك حقّه في المعرفة أو إشغال وقته بقضايا هامشية. وبالتأكيد لا ننسى أن بعض الحوارات تسيس لخدمة مصلحة معينة، وهنا يأتي عامل ضبط النفس للخروج بنتائج مرضية.
وختاماً لكي تحقق وسائل الإعلام الأهداف المرجوة منها في الأزمات، عليها الفورية في نقل الأزمة، وإمداد الجمهور بالحقائق التفصيلية، والعمق والشمول في تغطية جوانبها المختلفة، وضبط النفس والتعامل بموضوعية مع أجهزة الرأي العام، والاعتراف بالأخطاء التي قد تحدث أثناء التغطية، وليكن الهدف دائمًا من التناول الإعلامي مساعدة المجتمع في مواجهة الأزمة والتغلب عليها.
إنَّ الإعلام لا يجب أن يكون صانعا للأزمات أو مصدَراً لها، بل عليه أن يعي أهمية دوره في إدارة الأزمات.
https://telegram.me/buratha