د . جواد الهنداوي
تصريح السيد فيصل بن فرحان آل سعود ، وزير خارجية المملكة ،في مقابلة له على شبكة " ال س أن أن " ،يوم ٢٠٢٠/١/٢٧ ، هو سبب تناول الموضوع . قال في تصريحهِ " ان بلاده لا تؤيد خروج القوات الأمريكية من العراق ، و ان خروجها سيدفع بالمنطقة ان تصبح أقل أمناً " .
التصريح ،بكل تأكيد ، يُعّبر عن الموقف الرسمي للمملكة تجاه قرار مجلس النواب العراقي و الحكومة العراقية ، والقاضي بخروج القوات الأجنبية و الأمريكية من العراق . اعلان المملكة لموقفها جاء بعد مدة شهر من تاريخ قرار مجلس النواب العراقي ( في ٢٠١٠/١/٥ ) ، الامر الذي يدلُ على ان المملكة اتخذت موقفها بتأني و بعناية وبتشاور و أنَّ مصدر القرار هو السلطات العليا في المملكة .
ارادت المملكة ، من خلال هذا التصريح ،أنَّ تفرضُ موقفها ازاء موضوع تواجد القوات و القواعد الأمريكية في العراق ، هي ( واقصد المملكة ) ليس بحاجة للتشاور او للتداول مع العراق ، موقفها يعكس فقط قرارها السياسي ، ولا يهمّها موقف او رّد فعل العراق.
ارادت المملكة أيضاً ، من خلال تصريحها و موقفها ، إيصال رسائل .فما هي تلك الرسائل ؟
الرسالة الأولى هو ان تواجد القوات الأمريكية في العراق أمرٌ يهّمُ المنطقة ، و لا يعني العراق فقط ! وهذا ما نقرأهُ من العبارة التي وردت في التصريح " خروج القوات الأمريكية سيجعل المنطقة اقل أمناً " .
تصريح يتناغم مع الرؤية الأمريكية ، مع التبرير الامريكي للتواجد الإيجابي للقوات الأمريكية في المنطقة ، باعتباره تواجد من اجل أمن و استقرار المنطقة . ولكن لا نعلم مَنْ الذي سيدفع التكاليف المالية لهذا التواجد ، لأنَّ الرئيس ترامب صرّحَ اكثر من مرّة بأنَّ تحرّك قواته والحماية التي توفرهّا للغير يجب ان تكون مدفوعة الثمن !
الرسالة الثانية هي للعراق حكومةً وشعباً ، و مفادها بأنَّ قرار بقاء او رحيل القوات الأمريكية من العراق ليس مرهوناً بارادة عراقية ، وانما بارادة و رؤية أمريكا وحلفاءها او أصدقاءها في المنطقة . رؤية تقوم على توظيف العراق من اجل امن و استقرار المنطقة ، اي ،بعبارة أخرى و ادّق ، " توظيف العراق كساحة لتصفية صراعات او خصومات بين فواعل دولية و إقليمية في المنطقة و العالم . ولطالما اعربَ العراق رسمياً وشعبياً بحرصه على ان لايكون ساحة صراعات بين مصالح و قوى .
الرسالة الثالثة هي لإيران ، التي جعلت رحيل القوات الأمريكية من المنطقة او من غرب آسيا ( وليس فقط من العراق ) هدفاً استراتيجياً لها ، و كرّد على جريمة اغتيال الشهيد سليماني . موقف المملكة المؤيد و الداعم لبقاء القوات الأمريكية في العراق والمنطقة جاء جواباً على استراتيجية ايران والهادفة الى اخراج الأمريكيين من المنطقة او من غرب اسيا .
أكّدَ السيد وزير خارجية المملكة على دور القوات الأمريكية في محاربة داعش في المنطقة ، وعلى ضرورة بقاءها للحيلولة دون عودة داعش . ولكن العراق حكومة وشعباً ، وهم حاربوا داعش ، أولى من غيرهِ في تقدير حاجته لدعم هذه القوات في محاربة داعش !
اثبتت الوقائع بأنَّ القوات الأمريكية المتواجدة في العراق الآن تقوم ليس بمحاربة داعش وانماّ بقصفْ او بتسهيل قصف مواقع تابعة للقوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي ، ومن قبل طائرات اسرائيلية او " مجهولة الهوية " .
لا تخلوا الدول التي تحيط العراق (باستثناء ايران ) ، من قواعد أمريكية ،تمتلك كل المعدات و الأسلحة القادرة على التعامل مع داعش ،عند الضرورة . العراق لم يعُدْ بحاجة الى قواعد داخله .
اصبحَ للقواعد و للقوات الأمريكية في العراق وظائف أخرى ؛ دعم عسكري لإنجاز مشاريع سياسية على مستوى العراق والمنطقة ؛ فدرلة العراق بما يخدم مصالح امريكا وحلفاءها ،تقسيم العراق بما يخدم مصالح اسرائيل و تنفيذ صفقة القرن .
سيكون موضوع بقاء او رحيل القوات الأمريكية و القواعد الأمريكية فتنة و محل انقسام بين العراقيين ، وبين دول جوار العراق . وعلينا ان نتعامل مع تواجد القوات و القواعد الأجنبية ،مهما كانت جنسيتها ، من زاوية العراق كدولة وليس كمكوّن ، من زاوية مصلحة العراق وليس مصلحة المنطقة فقط . لا يوجد أمن قومي إقليمي ، ولا يوجد أمن قومي عربي . نعيش الآن تحت ظرف فرض أمن قومي اسرائيلي على المنطقة . وعلى العراق ان يتبنى استراتيجية الامن الوطني او القومي العراقي ، وينتهج ،في علاقاته العربية والإقليمية والدولية ،مساراً يحافظ على سيادة العراق وكرامته وهيبته وثروته الوطنية .
ــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha