الدكتور أحمد البهادلي
مشكلة تشكيل الحكومة واحدة من المشاكل المتكررة، بعد كل ترشيح لأي رئيس وزراء عراقي، ويبدو أن هذه المشكلة أخذت بعدا كبيرا في الاشتغال السياسي، حتى أخذنا نعتقد أنها تجمع مصالح بعض القوى السياسية الكبيرة في الحصول على بعض المواقع المهمة في جسد الحكومة ولأغراض مختلفة، وكان أغلب القوى ينادي بالاستحقاق السياسي، وكأن الحصول على وزارة أو أكثر تعبير عن وفاء القوى السياسية لجماهيرها، مما دفعهم لتسخير الوزارات بالكامل لجمهورهم، ونشأت جراء ذلك لجان توازن متعددة تقوم بإحصاء المواقع القيادية لتوزع على القوى السياسية بطريقة التحاصص، حتى وصلنا إلى نمطية غير مألوفة عمل بها السيد عادل عبد المهدي، إذ فتح نافذة إلكترونية للاطلاع على كثير من أبناء البلد وخبراته المتخصصة الراغبين بالعمل الحكومي، لكنه واجه تعارضا كبيرا من بعض القوى السياسية مما جعل مثل هذا النمط يتعطل كثيرا، إذ كشفت التجربة أن كثير من الشخصيات الوزارية تمثل نسقا من العلاقات الشخصية لتاريخ الرجل، وأن شخصيات أخرى دفعتهم بعض الأحزاب السياسية بالترشيح المباشر، مما أثر كثيرا على تكوين حكومة وطنية قادرة وجادة على حمل تطلعات المرحلة والعمل لتحقيق الأهداف المرسومة في مسار التنمية المستدامة للقطاعات المتعددة.
وفي تقديري فإن كلا الطريقتين غير مناسبتين، إذ أن واقع الحال يفرض أحيانا حلولا مرحلية، وهنا لا بد من العمل بمنطق الاحتواء لكامل الأطراف الوطنية التي تحمل هموم الارتقاء بالوطن، وعليه يمكن القول بأن الكابينة الوزارية يجب ألا تخضع لنمطية العلاقات الشخصية التي يتمتع بها رئيس الوزراء، فالبلد لا يرهن مستقبله بمجموعة علاقات شخصية وإن كانت ذات كفاءة، فالركون في هذه الخصوصية (الكابينة الوزارية) يجب أن يكون متوازنا ورصينا، والأهم من ذلك يكون مقبولا من القوى السياسية الفاعلة، فالتوافق والحوار السياسي بإمكانه أن يسهم في الكثير من الحلول، كما أن على السيد رئيس الوزراء أن يؤمن بأبناء البلد وأن يسعى جاهدا لتقديمهم للتصدي في الكثير المواقع، وإلا فإن أي حكومة لا تستقدم أبناء البلد المتخصصين سيكون مصيرها الفشل، كما علينا ترك الذريعة الشائعة التي تؤكد على أن (المواقع الوزارية) مواقع سياسية، بعد كل هذه التراكمات الطويلة التي كشفت عنها التجربة طيلة (16) عاما.
كما ليس من المنطقي أن تأتي الشخصيات الوزارية باستبعاد كافة الشخصيات السياسية، أو المتحزبة، فهذا يعد إقصاء للخبرات الوطنية، بل ويعد تطرفا في أنساق التجربة الديمقراطية وهي تجربة لا تقوم إلا بالعمل السياسي والحزبي، فلا بد من توازن واقعي للاختيار الأمثل.
وأعتقد أنه لا بد من تحديد الهدف في اختيار الشخصيات، وهنا على الهدف أن يكون واضحا وقابلا للتحقق، فما الهدف من استقدام أي شخصية للعمل؟
وعليه فإن الهدف الأسمى في العمل الوزاري هو تنمية القطاعات الحكومية المختلفة، وهذا لن يتحقق بالبحث عن مرشحي دائرة العلاقات الشخصية لرئيس الوزراء، ولن يتحقق بالبحث عن مرشحي الأحزاب فقط، وإنما علينا تفادي عدم تحقيق الهدف بتعزيز التجربة الوزارية باستقدام شخصيات وطنية ومتخصصة من رحم الوزارات ذاتها، ومن أبناء البلد المعروفين بالقدرة والكفاءة وكثير من المميزات القيادية.
فالمقترح المراد تقديمه هو:
على رئيس الوزراء أن يسعى جادا للبحث عن خيرة المتخصصين للعمل في رأس كل وزارة وباقي مفاصلها القيادية، لتحقيق مفهم التنمية في الميدان وبصورة فعلية، وعلى البحث أن يكون موضوعيا ويتسع لأكثر من شريحة لتحقيق الاختيار الأمثل، وتأسيس نمط من التوازن بين هذه المصادر:
مرشحو الأحزاب السياسية: وهنا يجب الكشف وبدعوة رسمية للقوى السياسية عن أبنائها المتخصصين.
مرشحو الوزارات العراقية: وهنا يجب الاعتماد على خبرات الوزارات العراقية ذاتها، فالعامل من رحم الوزارة والمتخصص فيها له قابلية للنجاح والتطلع قد تفوق ما لغيره.
مرشحو النقابات المتخصصة: وهنا يجب النظر مليا بكثير من خبرات أهل الاختصاص في الكثير من النقابات وخبراتهم، تحديدا وأن أغلبهم يتمتعون بالملكات والخبرات الميدانية.
مرشحو أبناء الشعب العراقي: ممن له القابلية في العمل بالمواقع المتقدمة.
وهنا يجب أن يكون التقديم مباشرا، وأن تكون المقابلات لنخبة مختارة منهم، وأن يحكم عملية الاختيار، نمط من المفاضلة بين كافة المرشحين، وكل اختصاص بمعزل عن الاخر، لتحقيق حكومة قوية لها هدف وطني وحيد وهو(تنمية القطاعات)، وبالتالي نحظى بالقبول والرضا الواقعي، تحديدا بعد أن اتسعت الهوة بين المواطن العراقي والصدارة السياسية غير المنتجة.
كما أنني أنصح باستبدال كافة الشخصيات التي عملت في الدرجات الخاصة من معاون مدير عام إلى وكيل وزارة، فإن لتجديد الدماء أثر كبير في فسح المجال للنهضة الوطنية الجادة، بعد أن شكل هؤلاء نوعا من الحكومة العميقة التي تعيق نهضة البلد.
ـــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha