عبد الزهرة البياتي
أحياناً تحار بشأن ماذا تكتب، وبخصوص أي قضية بالتحديد تتناول وتتصدى، لاسيما عندما يكون عمودك الصحفي يومياً.. فالأحداث تتوالى والقضايا المثارة محلياً وإقليمياً وعالمياً كثيرة، والضباب يملأ الأجواء، والخنادق تتداخل، والأوراق تختلط ويضيع الحابل بالنابل، حتى يصعب عليك أحياناً الفرز أو كمن يبحث عن (إبرة) في كومة قش يعبث بها الريح، فلا يجعلك تجلس لتستريح أو تستمتع برؤية كوكب المريخ!!
أكتب عن شارع عراقي ملتهب ويغلي بحراك شعبي في بغداد ومدن عراقية في وسط البلاد وجنوبها يتصاعد طردياً مع تنامي موجة العنف المفرط المحموم ضد المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بإنقاذ هذا الوطن من قعر الطين بعد أن نهب ثرواته السلاطين!!
أكتب عن شعب يهتف مطالباً بوطن يعيش فيه بكل كبرياء وشموخ، ومتظاهرين في سوح التظاهر باتوا يدفعون طوال أربعة أشهر من الزمن الثمن باهظاً.. توابيت ملفوفة بعلم العراق تزف إلى مثواها الأخير وسط صيحات آباء مفجوعين بفقد فلذات الأكباد وأمهات ملفعات بالسواد يلطمن على الرؤوس ويبكين (الولد يمة الولد) الذي حملنه شهوراً تسعة وسهرن عليه ليالي طوالاً كلها شقاء وعناء، لكن على حين غرة يحصده رصاص الغدر المنطلق من فوهات عتاة مجرمين!!
وأكتب عن مشهد سياسي مأزوم لا يتفق فيه الفرقاء يوماً على إخراج الوطن من المحنة ولا يقدرون على اختيار رئيس وزراء بديل لحكومة انتقالية مهمتها إشفاء الغليل والعليل..وأكتب عن رئاسات ثلاث تدير ظهرها بشكل عجيب غريب وكأن ما يحصل هو في بلاد الواق واق، وأكتب عن زمن يهدر في الجدل البيزنطي وهذا لي وذاك لك، بينما العراق يحترق وشعبه ينزف دماً وقوافل من شهداء وجرحى لا ذنب أو جريرة ارتكبوها سوى أنهم يطالبون برؤية وطن يعيش فيه الجميع بكرامة وعيش رغيد!!
أكتب عن جهود البعض من الساسة والمتصدين للعملية السياسية الذين لم يلتفتوا لما يجري أو يدور، ولهذا لم يتناخوا لدفع ملمة ولهذا لم يبادروا بعقد مؤتمر للحوار الوطني الشامل للوصول إلى حلول تنقذنا من المجهول..
أكتب عن خدمات غائبة وبناء معطل وبلد يدفع به المتربصون نحو منزلق خطير، وعندها لن يكون بمقدورنا الحصول على حفنة من الشعير بسبب العابثين والفاسدين!! أكتب عن واقع عراقي ملتبس ينطبق عليه تماماً ضاع أبتر بين البتران، وينطبق عليه القول المأثور (شيش بيش) أي باختصار كلشي وكلاشي طالما أن ما يجري أمامك صورة معقدة أسميها بالضبط (شليلة وضايع راس الخيط).. ويبقى السؤال: هل فقدنا حقاً البوصلة؟ وهل صار ربان السفينة مصاباً بالدوار؟ فهو حقا محتار!
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)