كندي الزهيري
دينُ الإسلام أقام العلاقةَ بين المجتمعِ المسلمِ العلاقةَ الوديةَ، ودعم هذه العلاقةَ بين الشعوب والقبائل، وجعلها قائمةً على أسسٍ من الدين والإيمان، وألغى النَّعَرات القبلية والعصبية الجاهلية، وأقام النبيُّ صل الله عليه واله الدليلَ القاطعَ على أهميَّة الأُخُوَّةِ الإسلامية، وأنها فوقَ كلِّ اعتبار، وهو صل الله عليه واله سعى جُهدَه في تنمية هذه العلاقةِ بين مجتمع المسلم، هاجرَ إلى المدينة؛ فآخى بين المهاجرين والأنصار، وألفَّ بينهم، وألفَّ بين الأوس والخزرج، فأصبح الناسُ به إخوانًا، صلواتُ الله وسلامُه عليه إلى يوم الدين، وهو القائل صل الله عليه واله : «لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه»، وهو القائل صل الله عليه واله: «مثلُ المؤمنين في توَادِّهم وتراحمُهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحِمى والسهرِ»، أينعت هذه العلاقة وآتت ثمارَها كاملةً، وأصبح المجتمعُ المسلمُ أمةً واحدةً، تتكافا دماؤُهم، ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم، وهم يدٌ على من سواهم.
ولما كان وحدةُ كلمة الأمة، والتحامُ صفوفها رمزَ قوَّتها، وهيبةِ أعدائها منها، سعى أعداءُ الأمة في تفكيك هذه الوحدة الإسلامية؛ فنشروا النَّعَراتِ القَبَلِيَّةَ والعصبيةَ الجاهليةَ، و استعانوا بكل وسيلةٍ ممكنةٍ، ثم استعانوا في هذا العصر في بوسائلِ الإعلامِ من صحافةٍ، وكتبٍ، ومواقعَ إلكترونيةٍ، وقنواتٍ فضائيةٍ.
نجحوا في هذا المخططِ الماكرِ وانخَدَعَ بدعوتهم بعضُ ضعفاءِ الإيمان من المسلمين فنشرُوا النَّعَرات القَبَلِيَّةِ، والعَصَبية لجاهلية، وصارَ الفخرُ بالقبيلة التي ينتسبُ إليها وإلى اللون الذي يحمله وللحزب الذي ينتمي إليه، وهذا بلا شك يُنافي الأخوةَ الإيمانيةَ، ووظفوا لهذه المهمةِ أيضا قنواتٍ فضائيةً، تهتم هذه القنواتُ والمواقع الإلكترونية، وتتخصص في نشر مفاخر الآباء والأسلاف، ورفعِ هذا ووضعِ هذا، وتطوَّرت حتى أصبحت عندَ بعضهم قضيَّةً مُسَلَّمَةً، فخرٌ على غير هدى، وافتخارٌ بغير هدى، وإنما هي النَّعَراتُ الجاهليّةُ، التي جاء الإسلامُ بإلغائها وبيانِ أنّها ليست أهلا لأن تكونَ موضعًا للتفضيل والاعتبار عند الله، وهذا بلا شك يخالفُ تكريمَ الإنسانِ، ويخالفُ المعيارَ الحقَّ، الذي جاء به الإسلامُ بالتفاضل بين الناس، والله يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:٧٠]؛ فالإنسان مُكَرَّمٌ أيًّا كان جنسُه أو لونُه أو شكلُه، أو كانا غنيًا أو فقيرًا، أو كانا رفيعًا أو ليس كذألك.
ومعيار التفضيل عند الله إنما هو التقوى ، فالتقوى موضعُ التفضيل عند الله، فمن ثَقُلت موازينُه بالتقوى والعمل الصالح، كان أقربَ الناس إلى الله.
ومحمد صل الله عليه واله المبعوثُ رحمةً للعالمين بيَّن هذه القضيةَ بيانا شافيا؛ فأعلن في إحدى خطبه، في حجة الوداع قائلا: "أيُّها الناسُ، إن ربَّكم واحدٌ، وإنّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى، ألاَ هل بلغتُ؟ اللَّهم اشْهَدْ"، وسأله الصحابةُ قائلين: "أي الناس أكرم"؟ قال: "أتقاهم لله" ، وهو صل الله عليه واله أرادَ من المسلم أن يكون فخرُه بإسلامه، وبإيمانه وعملِه الصالحِ، حتى أن الألفاظَ الإسلاميةَ، التي استعملها بعضُهم لمجرَّدِ الفخرِ ألغاها صلى الله عليه واله ؛ ففي أحد المواضع كَسَعَ رجلٌ من المهاجرين، -أي: ضرب- رجلا من الأنصار؛ فنادى المهاجريُ: "يا لَلْمهاجرين"، ونادى الأنصاري: "يا لَلْأنصار" .
إن بعضا من هؤلاء، يعدِّدُ مفاخرَ أسلافه وآبائه، ولكن يقارنُ ذلك لمزًا للآخَرين، واستهزاءً بالآخرين، واحتقارًا للآخرين، وحطًّا من قيمة الآخرين، إنها توغلُ الصدور، وتجعلُ العبدَ في كِبْرٍ وتِيهٍ واغتواءٍ بنفسه، ولا يعلمُ هذا المسكينُ، أن هذا من الأمور المنهيِّ عنها.
الإسلام عندما دعا الرجلَ المسلمَ إلى معرفةِ رحمهِ، وصلةِ رحمهِ، وأقاربه وجعل صلةَ الرحمِ، من واجبات الإسلامِ، لم يُرِدْ بها فخرًا، وعلوًا، وإنما أراد بها تعاونًا على الخير، وقال صل الله عليه واله : "تَعَلَّمُوا من أنسابِكم، ما تَصِلُونَ به أرحامَكُم"، لكنَّ المسلمَ، لا يجعل ذلك وسيلةً للحطِّ من قيمةِ الآخَرين، ومهما يكن بينك وبين أحد من خصومةٍ، أو نزاعٍ أو اختلافٍ؛ فإياك أن تظهر أمرَ الجاهليةِ، التي أبطلَها الإسلامُ.
وذكر معائب الناس أن ذلك من أخلاق الجاهلية، لا من أخلاق الإسلام لأن الإسلامَ دينُ وَحدةٍ، ودينُ محبةٍ، يقول الله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:١٠]، ويقول: (وَالْمُؤْمِنُون َوَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:٧١]، فدينُ الإسلام دينُ القوة الإسلامية، القائمة على هذا الدين، والمحبةِ في هذا الدين، وألاَّ تُسمعَ أخاك، ما يسوئه وألاَّ تسمعه ما يـحُطُّ من قدره، فالفاحشُ من القول، لا يجوز أن تخاطب به أخاك المسلمَ، تنصحُه إن رأيتَه مقصِّرًا، وتدعُوه إلى الخيرٍ، وتُـحذِّرَهُ ممَّا وقع فيه من الخطأِ والخَلَلِ، دونَ أن تَلْمِزَهُ، ودونَ أن تَعيبَهُ، ودون أن تَحُطَّ من قدره ودون أن تُسمِعَه ما يَدُلُّ على نقصه واحتقاره، و نبيُّ الله صل الله عليه واله يقول: "بحسب إمرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام ودمه وماله وعرضه"، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
نجاتكم مما انتم فيه هوه الرجوع إلى الإسلام المحمدي الأصيل سبيل الوحيد لبناء مجتمع رصين ومحصن يقوم على أساس التكافل والتكامل المجتمعي نحوا المستقبل جميل ...
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)