إشراق علي
ما الذي تريد أن "تُوصلَه" إسرائيل من خلال هذا الاستعراض "لتفوقها" في كل المجالات للمتلقي، وتحديدا، العربي؟
بداية، لنقرأ الاقتباس الآتي للدكتور حامد ربيع في كتابه "الحرب النفسية في الوطن العربي" ثم نكمل ما بدأناه، يقول:
"إنَّ أخطر ما تمثله الصهيونية اليوم أنها تتعامل باسم السلم والحل العادل في المنطقة وهي لا تفعل سوى أن تنخر في الجسد العربي وتخلق الشلل في مختلف أجزائه. إنها بحنكة معينة تنال من مفاصل هذا الجسد فتحقق نوعا من التيبس في الحركة."
ولكي نعي لماذا تتعمد إسرائيل، بتكرر مستمر في إعلامها الموجه لنا، أن "تستعرض بفخرٍ" منقطع النظير إنجازاتها في شتى المجالات و"تقارن" بينها وبين "العرب" عدوته الزائلة قريبا، وتتخذه نمطا لا تتخلى عنه - نستعرض ما قاله بن غوريون عن تصوره للعرب ولتراث العرب وهو التصور الذي يعمل وفقه الإعلام الإسرائيلي في حربه النفسية ضد القارة العربية، إذ يقول غوريون:
"صحاري اسرائيل كانت قديما آهلة بالسكان وأنها لم تكن خالية.. ان ثقتي ببني جنسي تجعلني اقول بأن الاثر الحقير والمخزي للتراث العربي لن يستمر الى الابد... العرب حولوا بلدا مزدهرا ومأهولا بالسكان الى صحراء."
من الثوابت الاستراتيجية للدعاية "الإسرائيلية"، وأحد أهم المرتكزات في "الحرب النفسية" لهذه "الدُّويلة الطُّفيلية" والتي لم تتخلَّ عنها منذ ما بعد 1948 هو مبدأ:
- كرر على العدو تفوقك في شتى المجالات باستمرار، ودعه يشعر بتخلفه ورجعيته وتأخره عن ركب التطور العالمي.. دعه يفقد الثقة بنفسه ويشعر بالإحباط.. دعه يتوق الى تمني أن يكون تحت وصايتك ويفقد الثقة بقوميته وثقافته وتاريخه.. أنهكه بالمقارنة بين ما وصلت إليه من تطور وسعادة وبين ما يعيشه من بؤس وتعاسة وتخلف.. اقتل فيه روح النهوض لتغيير نفسه وواقعه...الخ
لو حاولنا الرجوع الى المحاورة التي جرت بين الرب وإبليس في خصوص السجود لآدم لفهم لماذا يُلجأ الى منطق "المقارنة" وأسباب استخدامه سنعرف كيف تفكر إسرائيل. الرب أمر إبليس أن يسجد لآدم لكنه أبى وبرر عدم انصياعه للأمر أن هذا المخلوق هو "أدنى" مني وأحقر وأضعف وأنا المتفوق وذلك لأني خلقت من نار وخلقته من طين! وربما استند الى قول الملائكة أن هذا المخلوق سيفسد في الأرض ويسفك الدماء لذلك فهو -آدم- فاسد ومتخلف ولن يستطيع أن ينصلح وسيبقى هكذا.
علم النفس ينبهنا على أن استعراض الفرد أو الجماعة لمنجزاته أمام الآخر المفتقد الى الإنجاز سيولد لديه شعور بالعجز والتخلف ويسلم بتفوق الآخر عليه ويستسلم لما طرح عليه الأمر الذي سيجعله مشلولا تماما وعاجزا عن الحركة فاقدا الثقة بنفسه ومجتمعه!
ولا ننسى أن هذا المتفاخر بإنجازاته على الآخر بأسلوبٍ "هجومي" يقارن به فقط هو الذي سيجعل الآخر يقع في براثن اليأس والإحباط، أما إن كان الأسلوب يحث على "دعوة" الآخر للمشاركة في الإنجاز فإنه قطعا "سيحيي نفسه" ويبعث فيه روح الإرادة والسعي لتحقيق ما يصبو إليه.
فهل "إسرائيل" ومن خلفها عقيدتها "الصهيونية" تفعل ذلك؟ قطعا لا.. إنها تستعرض إنجازاتها بأسلوب المقارنة الخبيث، وتضع الشعوب العربية في القارة العربية على الطرف الثاني من المقارنة ليكون هو الهدف من وراء ما تريد أن ترسخه في ذهنه.
أما هذا "الخسيس" فيصل القاسم فهو الأداة التي تُهيئ لإسرائيل أرضية هذه المقارنة القذرة؛ معينا إياها على بني جلدته، فلا أحقر منه ومن أمثاله.
الخلاصة:
- أسلوب المقارنة الإسرائيلي الهدف منه تعزيز موقفها على حساب إبراز الآخر العربي أنه متخلف
- التأكيد على تفوقها بإزاء تخلف من حولها
- ترسيخ مشاعر اليأس والإحباط في الجسد العربي
- إشعار العربي بالدونية والتخلف والرجعية
- خلق حالة من الغضب في المجتمع العربي ضد أنظمته؛ تمهيدا ليقوم بثورة فتركبها إسرائيل وتوجهها لصالحها
- استدراج الآخر العربي الغير واعي للتعاطف معها ودعمها لا شعوريا ضد نفسه وأبناء جلدته في أن يستخدم أسلوب المقارنة ذاته ضد مجتمعه
هذا ما توصلت له، والذي لديه تعقيب أرجو أن يتفضل به، وإن وجد خطأ أرجو أن ينبه عليه.
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha