المقالات

"بين مرارتين" أو "ثالثة المرارات"


د.احمد جمعة البهادلي

 

 

كُتِبَ على الانسان في هذه الحياة أن تتقاسمه همومها وتشتد بوجهه رياح التحدي من كل جانب مسلماً كان أم كافراً ومطيعاً أم عاصياً!!.. فما من همٍّ ينتهي الا ويتبعه همٌّ آخر حتى ورد في  الحديث الشريف "عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: مثل المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه، ليلقى الله عز وجل ولا خطيئة له"!!..

وهذه نظرة واقعية تعبيرٌ عمّا تنطوي عليه الحياة من مصاعب وهموم أكثر من أن تكون تعبيراً عن التشاؤم واليأس مما نهى عنه الاسلام..

الابتعاد عن "البلد الأم"مرارة لا يعدلها عموماً شيئ لذلك كانت الهجرة تتوسط الإيمان من جانب والجهاد من الجانب الاخر كما وردت في عدة أيات بالقران الكريم "إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَة اللَّه وَاَللَّه غَفُورٌ رَحِيم"..وهي أي الهجرة قد تكون ضرورية لا بد منها وقد تكون اختيارية أو تكون خاطئة حسب دوافعها وآلياتها وما يترتب عليها..

فحين تكون لتعميق الإيمان وصون القيم والشرف وخدمة الاهداف غير أن تكون لأسباب ترفيهية مما يجعل التمييز بين أنواعها مهم ولا بد منه؛ فهي قد تدرّ على المهاجر بالنفع المادي أو العلمي أو الصحي.. لكن الحالة العامة للهجرة فيها من التعب والمشقة ما يجعل معاناتها كبيرة؛ الابتعاد عن الوطن مهما تكن أسبابه مرارة أما اذا كانت بسبب المرض وتداعياته فمرارة ثانية وعندما  يكون المهاجر موزعاً بين مرارتين الهجرة من جانب!! والمرض من جانب آخر!! ثم يتعرّض بلده الأم الى "ثالث المرارات"!! وهي ما يمر به شعبه من التحديات والمصائب الأمنية والخدمية والسياسية البالغة الشدة بحيث تصل محنته الى ذروتها الثلاثية (ابتعاد -مرض  -تحرّق على البلد الأم) مثل هذا الثلاثي الخطر أشدّ ما يكون عليه في البلدان التي تقع تحت سيطرة الأجانب والذي تمتد معه هيمنتهم للمَهاجر التي يلوذ باللجوء لها بحثاً عن الأمن وعن الفرص التي يخدم فيها شعبه ويدفع عنه خطر التحديات!!

تبقى مرارة الهجرة غير قابلة للتجرّع ولو بدت لبعض المهاجرين عناصر الراحة والعمل والحرية السياسية أما حين يضمّ لها عاملُ المرض فقد يزيدها في الطين بِلّة ولو أن الكثير من تلك البلدان قد توفر خدمات تبدو طبيةً يستفيد منها المهاجرون مما لم تتوفر لهم  في بلدهم الأم!!..

ومهما يكن من أمر فإن الإنشداد للوطن لا يعدله شيئ انما يضطرّه للهجرة  هو قسوة الظرف الذي يمرّ به في بلده..

ولا تقف المرارة الاولى عند حدود كونها مرارة ابتعاد انما تمتزج بمحتوى الثانية النابعة من ذات المرض الذي ألمّ به وما سبب له من معاناة والتي تقترن به ولا يُنسيه هذان الوجعان الا الوجع الثالث وهو ما يمرّ به بلده وبما يجرّ على أهله من نتائج رغم ما له من كثرة ثروات وما يمتاز به من خصوصيات وكلما اشتدت قساوة الظروف على أهله وشعبه وكرامة وسيادة بلده كلما ازداد معها تضوّراً بنار المعاناة!!..

أما حين يكون البلد هو العراق والشعب هو شعب العراق والمآسي بحجم مآسيه فإن آثار المصاب تتضاعف والتضحية المطلوبة من أجل تحريره تكبر.. وصدق المتنبي وهو يقول:-

‫يَهُونُ عَلَيْنَا أَنْ تُصَابَ جُسُومُنَا

‫          وَتَسْلَمَ أَعْراضٌ لَنَا وَعُقُولُ.

رحلة المرض تتميّز بأنها انحرافٌ عن الصحة وتذكرة أو قد تكون إيذاناً أحياناً بالموت ولو بدرجةٍ أو بأخرى..

أما ما أصاب بعض المهاجرين من موت بسبب طيلة هجرتهم وكانوا يواصلون جهادهم على مدى حياتهم فقد وعدهم الله تعالى خيراً بالمغفرة.. "..وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أجرُهُ على اللهِ وكان اللَّهُ غفوراً رحيماً.. عطاءات الهجرة كثيرة مادام المهاجر في سبيل الله..  "

ـــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك