د . جواد الهنداوي*
مشتركات و تباينات بين الدور الامريكي و الدور التركي في سوريا .فما هي ؟
كلاهما يمثلان احتلالاً لاراضي دولة مستقلة وعضواً في الأمم المتحدة ، و عضواً مؤسساً لجامعة الدول العربية ، كلاهما ( و اقصد الدور الامريكي و الدور التركي ) يمثلان اعتداءاً صريحاً على دولة ، و خرقاً واضحاً للقانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة و الشرعية الدولية . و من اجل هذه " الشرعية الدولية " شُنتْ و أستمرت و لا تزال حربٌ ضروس على اليمن !
كل ما تقوم به امريكا و اسرائيل مِنْ اعتداءات وانتهاكات و اغتيالات ،بشكل مباشر او بواسطة وكلائها او حلفاءها او أصدقاءها هو عملٌ " مُقدس" و فوق القانون الدولي و مستثنى من حسابات الشرعية الدولية و الأخلاقية ! أَو لمْ يصرّح رئيس وزراء قطر الأسبق ،الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني و يقول بأنَّ امريكا هي التي طلبت منّا ( من قطر ) ومن السعودية دعم الجماعات المسلحة في سوريا بهدف تغيير النظام ! أو لمْ يصرّح الرئيس ترامب ، وأكثر من مرّة ، بأن الرئيس اوباما والسيدة هيلاري كلنتون مسؤولان عن تأسيس داعش والإرهاب !
من المشتركات بين الدوريّن الامريكي و التركي في سوريا ،هو أنَّ كليهما يتذرعان بالأمن القومي وأمن و استقرار المنطقة . بيدَ كلاهما يساهمان في فوضى و حروب و ارهاب و فتن المنطقة . امريكا تتذرع بأمن اسرائيل ،لأنَّ امن اسرائيل هو جزء من الامن القومي الامريكي ، وتركيا تتذرع بأمنها القومي ، اصبحَ احتلال أراضي دولة اخرى و انتهاك القانون الدولي و مواثيق الأمم و الشعوب ، و استخدام الإرهاب وسائل لأمريكا و لتركيا في الادّعاء لحماية أمنهما القومي .
مِنْ المشتركات بين الدورّين الامريكي و التركي في سوريا و في المنطقة هو سرقتهما لنفط و لثروات الشعوب ،علناً و بتصريحات و ترتيبات بواسطة الارهابيين .
يتباين الدور الامريكي عن الدور التركي في سوريا ،تبعاً لتباين المصالح .
تسعى امريكا لضمان مصالحها الفتنوية و الاستعمارية في سوريا من خلال ثلاث وكلاء :
من خلال الوحدات العسكرية الأمريكية المحتلة في شرق الفرات ،وبالقرب من مصادر النفط ، و من خلال قسم من الكرد السوريين ، و من خلال ما تسميه امريكا ،المعارضة السورية المعتدلة .
امريكا لن تعّول الآن على العامل العسكري في سوريا ، ادركت ،على مايبدو ، بعدم جدوى الحل او العامل العسكري و روسيا تسيطر على الميدان السوري براً و جواً و بحراً . ولكن لن تتخلى امريكا عن دور سياسي لها في سوريا ، و بواسطة ورقة " معارضة سورية معتدلة " ،تسعى الى تأهيلها و دعمها كي يكون لهذه المعارضة المعتدلة دوراً سياسياً في مستقبل سوريا . و نعتقد بان مِنْ بين المواضيع التي تناولها وزير خارجية امريكا عند زيارته ،قبل أيام ، الى الرياض هو موضوع دعم المعارضة السورية المعتدلة .
لا تزال تركيا تحلم بقدرتها على الاستمرار باحتلال أراضي سورية و استخدامها كمنطقة آمنة ، وهي تنغمس في العمل العسكري و دعم الإرهاب و توسيع دوائر الاشتباك مع الجيش السوري و حلفاءه ، وهذه هي سمات القيادة الدكتاتورية المستبدة و المؤمنة بالحلول العسكرية والحروب و ليس بالسياسة والدبلوماسية من اجل الوصول الى ضمان الامن والمصالح المتبادلة بين الدول المتجاورة .
ماهي تداعيات اختلاف الدور الامريكي عن الدور التركي في سوريا على سوريا و على المنطقة ؟
سلّمت امريكا بحقيقة تعافي سوريا الدولة و بأن لا جدوى و لا فائدة من تدخل او حل عسكري ، و انتقلت من أسطوانة تغيير النظام الى أسطوانة بقاء النظام و الدولة ، والعمل ، وفي إطار الدولة على تأهيل معارضة سياسية مدعومة ، وتحت شعار الديمقراطية وتعدد الأحزاب ،من جهات عربية او اجنبية ،على غرار ما هو سائد في بعض الدول العربية كلبنان و العراق .
استنتجت امريكا بأنَّ الديمقراطية، وتعدد الأحزاب في بلداننا ظواهر تجعل بلداننا اكثر ضعفاً و تفككاً ، و نأمل ان لا يدوم الحال !
ستسعى امريكا الى تطبيق هذا النموذج في سوريا . ستقود امريكا الفوضى في دول المنطقة ، و من اجل مصالحها و مصلحة اسرائيل ، من خلال الوسائل الناعمة ( الديمقراطية ،حقوق الانسان ،الشرعية ،تعدد الأحزاب ،التظاهرات ) . وسائل ، هي اساساً لبناء المواطن والمجتمع والدولة إنْ حَسُنَ استخدامها و توظيفها . تُمرّر امريكا مصالحها ، وعلى حساب مصالح وحقوق الشعوب و الأمم ، من خلال الديمقراطية و حقوق الانسان و الشرعية ،إنْ هي عجزت عنها بواسطة العمالة او الحروب او الاحتلال . بكل تأكيد ، لا ندعو الى الدكتاتورية و الى نظام الحزب الواحد ، وانماّ الى الحريات و الديمقراطية و حقوق الانسان و تعدد الأحزاب ،ولكن في إطار و من اجل دولة قوية ذات سيادة و مستقلة ، و تتعامل بنديّة مع كافة الدول .
النموذج التركي ،تحت قيادة الرئيس اوردغان ، والملتزم بخيار العدوانية و الاحتلال في سوريا وفي العراق و في ليبيا ، و ليس بخيار السياسة و الدبلوماسية ، ينذر بمخاطر كبيرة على مستقبل وسيادة دول المنطقة ، وخاصة سوريا و العراق ، سيوظّف الرئيس اوردغان الورقة الكردية في سوريا و العراق مُبرراً لتوسعه الجغرافي وتمدده العثماني .
*سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل .
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha