عبد الزهرة البياتي
تحتفل المرأة العراقية، اليوم الثامن من آذار، باليوم العالمي لها الذي أقرته الأمم المتحدة في العام 1977 بوصفه يوماً لحقوقها وإرساءً للسلام الدولي واعترافاً رسمياً أممياً يكتسب قيماً أخلاقية وينطوي على دلالات إنسانية كبيرة.. ومن هنا فإن الاحتفال بهذه المناسبة يجب أن يبتعد عن الشكليات ويقترب أكثر من المضمون..
إنه ليس مناسبة عابرة تلقى فيها الكلمات والقصائد والأغاني ثم يسدل الستار، إنها مناسبة يجب التوقف عندها طويلاً بكل انبهار وإجلال واحترام لتضحيات النساء في العالم، والمرأة العراقية على وجه الخصوص..
من يستعرض التاريخ القديم والحديث لابد أن يتوقف أمام نساء بطلات حفرن أسماءهن على صفحات مشرقة وما زلن حتى اليوم مثار الفخر والإعجاب، ولعل السيدة زينب (ع) بطلة كربلاء، الصابرة المكابدة، واحدة من اللواتي سوف يبقين في الذاكرة الى ما شاء من الزمن.. وفي تاريخنا الحديث هناك نسوة سجلن أسماءهن بأحرف من نور، فهناك المعمارية والطبيبة والمهندسة والمحامية والقاضية والمعلمة والأستاذة الجامعية والباحثة والآثارية والشاعرة والروائية والصحفية والرياضية والفنانة وربة البيت، وإذا ما استعرضنا الأسماء فإننا لا شك سنكون أمام قائمة طويلة عريضة، لكن لابد من الاعتراف بأن المرأة العراقية كانت وستبقى رمزاً للتضحية والعطاء والصبر والمطاولة والرقي والكرم والبذل بكل سخاء.
تحملت المرأة الضيم وشظف العيش ومرارة الظروف العصيبة، فكانت بحق نعم الأم والأخت والزوجة المحبة للحياة والمعاندة للانكسار والألم..
والأم، يا سادة يا كرام، هي المجتمع أو الشعب كله وليس نصفه كما اعتدنا تداوله، ولعل قول الشاعر الراحل حافظ إبراهيم (رحمه الله) يلخص ما ذهبتُ إليه عندما قالها يومذاك:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
ويمر عيد المرأة هذا العام والعراقية متألقة وشامخة، فقد أثبتت صلابتها ووفاءها لشعبها ووطنها من خلال المنازلة العراقية الضروس ضد تنظيم داعش الإرهابي، فقد احتضنت (الكلاشنكوف) كما تحتضن ابنها الرضيع وتقدمت الصفوف لتصب رصاصها على الوحوش الداعشية المجرمة لتلقى حتفها شهيدةً في 22 حزيران 2014 خلال مشاركتها في القتال ضد التنظيم الإرهابي في ناحية العلم شرق تكريت في صلاح الدين.. تلك هي (أمية ناجي الجبارة) التي عملت يومها مستشارة لمحافظ صلاح الدين لشؤون المرأة، وهناك النساء العراقيات اللواتي تعرضن لأبشع أنواع السبي الداعشي وكتبن بصبرهن قصصاً عراقية أثارت إعجاب العالم، إنها (العراقية الأيزيدية) نادية مراد من قرية كوجو في سنجار، التي نالت باستحقاق لقب سفيرة الأمم المتحدة وجائزة نوبل للسلام..
والعراقية اليوم تتقدم صفوف الثائرين في سوح التظاهرات التي تشهدها ساحة التحرير ومدن عراقية في الوسط والجنوب تطالب بالحقوق المشروعة.. العراقية اليوم تتخطى كل الحواجز وتثبت للعالم أجمع أنها رقم صعب من المستحيل اختزاله أو ثلمه، فهي الحنجرة الهادرة والمسعفة وهي من توقد النار لتخبز وتقدم رغيف الخبز حاراً طيباً للمتظاهرين المنتفضين على واقع لا يليق بالعراقيين.. والعراقية اليوم تقدم صوراً للبطولة تجعلك تشعر بالزهو، كهذه المسيحية العراقية أم الشهيد (ريمون ريان سالم) وغيرها من الأمهات المفجوعات بفقد فلذات الأكباد وهن ينحبن في سوح التظاهر (يمة فدوة للوطن.. روحوا يا شبان).
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha