عبدالزهرة محمد الهنداوي
نحو ٩٠ دولة في ارجاء المعمورة ، بضمنها بلدنا العراق ، تعرضت لغزو "كوروني" واسع النطاق ، ، ما اضطر تلك الدول إلى استنفار كامل لدفاعاتها بهدف ، وقف انتشار الفيروس وحماية مواطنيها من خطره ، وتمثلت تلك الدفاعات ، باتخاذ إجراءات مشددة ، ترغم الناس على الخضوع لها ، لان من واجب الحكومات ، حماية المواطن من اي خطر داخلي او خارجي ، لذلك فهي مطالبة وفق القانون باتخاذ اي اجراء تجد ان فيه حماية لحقوق وارواح الناس ، حتى وان كانت تلك الإجراءات تعسفية ، او ان الناس لايرتضونها ، ففي الغالب ان عامة الناس ، ربما لايعرفون مصلحتهم ، فيتصرفون بالضد منها .. ومن الملاحظ ان ما اتخذته الكثير من البلدان ، جاء متعارضاً مع مصالحها الاقتصادية ، الأمر الذي عرّض اقتصادها إلى خسائر فادحة ، ولكن ، طالما ان الانسان ، هو العنصر الأثمن والأغلى في هذا الكون ، وهو محور ومرتكز وهدف التنمية ، فإن كل شيء يهون مقابل الحفاظ على أمنه وسلامته ..
ولكن السؤال الأهم ، في هذه المعادلة ، معادلة الوباء والإجراءات المتخذة للحد من انتشاره ، ومدى تفاعل الناس معها ، هو ، كيف كانت الاستجابة وما هو حجم التعامل مع الواقع الجديد ؟ .. ولعل الصورة الأكثر شيوعًا ، هي صورة الهلع الكبير الذي رافق انتشار فيروس كورونا في كل البلدان التي سجلت حالات إصابة بالفيروس ، وقد تسبب هذا الهلع ، بارتفاع أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية والغذائية ، لاسيما مواد التنظيف والتعقيم والكمامات ، فضلا عن ان حالة الرعب والخوف ، أسهمت في اتساع رقعة الإصابة بالفيروس ، لان الهلع يتسبب في انخفاض مستوى المناعة عند الشخص ، فتكون إصابته أسهل من غيره ، وقطعا ، ان الضخ الاعلامي الهائل غير المسبوق الذي سبق ورافق انتشار كورونا ، كان احد أسباب اثارة الخوف لدى الناس ، وخشيتهم من تفاقم الأمور ، مادفعهم إلى المزيد من القلق والخوف من المجهول ، وقد تشابه في هذا السلوك ، سكان البلدان المتطورة والنامية على حد سواء ، بل ، لعل الخوف في أوروبا ، فاق نظيره في القارات الأخرى ، لاسيما ، اسيا ، التي انطلق منها الفيروس (اووهان الصينية) ..
والحال عندنا في العراق ، كما قلنا ، لم يختلف كثيرا عن غيره من البلدان ، اللهم الا في مستوى وكمية "التحشيش" التي اطلقها العراقيون ، وهو يواجهون ، فيروس كورونا ، فعلى المستوى الحكومي ، كانت الإجراءات جيدة بشهادة منظمة الصحة العالمية ، ولكنها لم تكن كافية ، نتيجة ضعف الإمكانات المتاحة لدى الجهات المعنية ، من جانب ، ومن جانب اخر ، فإن تفاعل الناس ، لم يكن بالمستوى المطلوب ، فقد كان تعامل الكثيرين بشيء من اللامبالاة وعدم الاكتراث ، وهذا من شأنه ان يسهم في انتشار الفيروس ، كما ان الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ، انقسم هو الاخر إلى عدة اتجاهات ، قسم خاض الحرب بشراسة ضد الفيروس ، وكان جزءً لا يتجزأ من منظومة الدفاع الوطنية ، وآخر ، وقف متفرجا (على الحياد) ، وكأن الأمر لا يعنيه ، وثالث ، تطوع في الجيش الكوروني ، فراح يشن حملات الرعب بين الناس ، من خلال اختلاق الأكاذيب وتضخيم الأحداث بعيدا عن الواقع ، وكما هو معلوم ، فإن الناس دائما يتأثرون بكل ما هو سلبي ، فكان من نتائج هذه الإثارة وهذا التدليس والتضخيم ، اثارة الذعر والخوف لدى الكثيرين !!..
ونحن هنا عندما نتحدث بهذه اللغة ، ليس معنى ذلك ، اننا نريد ان نقلل من الخطر المحدق او نضخم الأمر ، لنقول اننا افضل حالا من باقي البلدان ، أبدا ، ليس هذا هو المغزى والقصد ، إنما على العكس من ذلك تماما ، ففيروس كورونا ، وعلى الرغم من كونه يعد الأضعف بين فصيلة الفيروسات المعدية ، الا اننا لا يمكن ان نستهين بخطره ، لاسيما مع وجود هذه الضجة العالمية الهائلة ، وهنا ، اصل إلى جوهر الفكرة ، وهي اننا بحاجة إلى القيام بحملة واسعة النطاق ، يشترك فيها الحميع (الحكومة بكل مفاصلها ، القطاع الخاص ، منظمات المجتمع ، وسائل الاعلام كافة ، الاتحادات والنقابات ،بمختلف قطاعاتها وتخصصاتها ، الجامعات ، ساحات التظاهر ، مواقع التواصل الاجتماعي ذات التأثير الواسع ، وأي جهات أخرى ، ربما فاتني ذكرها) ، تتابنى هذه الجهات جميعها على وضع خطة عمل مشتركة ، لمواجهة "كورونا" ، وتضع في مقدمة بنود هذه الخطة ، عملية التوعية ، ووجوب الالتزام بالإرشادات الصحية ، لانها تمثل اللبنة الأساس في مواجهة خطر الفيروس ، ويتم تنفيذ هذه الحملات التوعوية من خلال المحطات الفضائية والمنابر الدينية والمكاتب الإعلامية الرسمية وغير الرسمية ، وفرق جوالة تجوب الأسواق العامة ، بالاستعانة بملاكات وزارة الصحة ، وفي المقابل مطلوب من خلية الأزمة المعنية ، بفيروس كورونا ، اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة من دون تردد او مجاملة ، لان الوضع لايحتمل ، فإذا نجحنا في ترسيخ الثقة والاطمئنان لدى عامة الناس ، فاننا نكون قد حاصرنا الفيروس ، ومن ثم تسهل عملية القضاء عليه ، من دون ان ننسى ان حالات الإصابة التي انتشرت في العراق ، هي قليلة بالمقارنة مع دول أخرى تعد افضل منا حالا ، كما انها تعد من الحالات البسيطة ، بحسب ما أكدت ذلك منظمة الصحة العالمية ، التي أشادت أيضا بمستوى الإجراءات المتخذة من قبل وزارة الصحة العراقية والجهات الأخرى ، ولذلك من المفيد جدا ان يتم استثمار هذه المواقف الإيجابية ، لمواجهة هذا الخطر ، الذي سبق لنا وان واجهنا ما هو اكثر فتكا منه وخرجنا منتصرين ..، ولنجعل من كورونا فرصة لنا في اعادة النظر في الكثير من النمطيات السلوكية لدينا ، ومن بين ذلك نظافة بيئتنا ، فكلما حافظنا على النظافة كلما أسهمنا في طرد الفيروس ، لايكفينا وضع الكمامات على وجوهنا ، او لبس القفازات في أيدينا ، بل يجب ان نهتم بنظافة البيت والشارع والسوق والمدرسة والمؤسسة ، لكي نكون بمأمن من خطر الفيروسات ماظهر منها وما بطن ..
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha