د . جواد الهنداوي*
القمة الأولى انعقدت في موسكو بتاريخ ٢٠٢٠/٣/٥ ، بين الرئيسين الروسي و التركي و بمشاركة وزراء خارجية و دفاع كلا البلديّن .
انتهى الاجتماع ببيان صحفي مشترك للرئيسيّن معلناً الوصول الى اتفاق وقف إطلاق النار ، واعتباراً من التاريخ المذكور اعلاه ،الساعة الثانية عشر ليلاً .
للقمّة نتائج آنيّة ميدانية و عسكرية ، و أخرى استراتيجية وسياسية و ذات ابعاد إقليمية و دولية ، وستظهر ( و اقصد النتائج ) بالتقسيط وبمرور الزمن .
اول النتائج الميدانية لقمة موسكو هو اجتماع لجان عسكرية فنية روسية و تركية اليوم في إسطنبول لمتابعة وقف إطلاق النار وتثبيته و معالجة الخروقات . سرعة الاجتماع بين اللجان يدّلُ على جديّة الاتفاق و حرص الطرفيّن على تنفيذه .
قمة موسكو أظهرت قدرة الروس على حسن استخدام سياسة الجزرة و العصا ، أظهرت قدرتهم على التوظيف الناجح و المُثمر لقوتهم و دورهم العسكري في سوريا ،حيث استطاعوا ،دون حرب شاملة و واسعة بين الجيش التركي والجيش السوري ، جلب الرئيس التركي ، وبرغبته ، الى موسكو . كان الرئيس التركي ، وبعد الخسائر البشرية والمعنوية التي مُني بها الجيش التركي ، حريصاً وعلى عجالة لعقد اتفاق وقف إطلاق النار مع الروس ،في أدلب .
أمريكا ادركت ،في اللحظات الأخيرة ، نيّة الرئيس اوردغان بالاستسلام او بالرضوخ للشروط الروسية ، لذا سارعت بترطيب الأجواء مع الرئيس اوردغان فأستبدلت رفضها الصريح على تزويد تركيا بمعدات قتالية متطورة ، بزيارات لمسؤولين امريكين الى الحدود التركية السورية (الى معبر باب الهوى )، و تبنيهم تصريحات وديّة و تضامنية مع تركيا و استعداد من الإدارة الأمريكية بتزويد الجيش التركي لما يحتاجه من ذخيرة و أسلحة باعتباره شريكاً استراتيجياً وحليفاً في الناتو .
سياسياً ، نجحت روسيا والتي تمثل سوريا وإيران وحزب الله في املاء شروطها على الرئيس اوردغان ، و ادرك الرئيس اوردغان ، مرّة اخرى ، بأنَّ روسيا و ليس امريكا مَنْ وجدَ حلاً لمأزقهِ .
تمّرسَ المحور الروسي الإيراني السوري على التوظيف الناجح لأخطاء القائد اوردغان : اصراره على الخيار العسكري وعلى القتال في سوريا و على استخدام الارهابيين وهو يعلم بأنَّ روسيا هي مَنْ في الساحة هي اخطاء استراتيجية !
ليتَ الرئيس اوردغان يعي و يضع في حساباته المعادلة السياسية التالية" الأمن القومي السوري هو أمن قومي روسي " ، لا يمكنه ان يضمن امن تركيا على حساب احتلال جزء من الأراضي السورية وبمعونة جماعات ارهابية مسلحة .
استراتيجياً ، استوعب الرئيس اوردغان درساً عسكرياً ، فحواه " أنَّ القتال في سوريا خلف او مع الإرهابين ليس نزهة " ، حيث اظهرَ حلفاء سوريا (المستشارين الإيرانيين و مقاتلين وحدة الرضوان التابعة لحزب الله ) ، قدرتهم و إمكانياتهم .
يحاول الرئيس اوردغان استعادة ما فقده من مكانة و دور ، من خلال القمة الأوربية التركية المشتركة و المنعقدة اليوم في بروكسل ، وكذلك القمة التركية الناتوية ( حلف الناتو ) ،والمنعقدة في ذات التاريخ والمكان . هي قمم ، وضعْ الرئيس اوردغان فيها متكلم و ليس مستمع (كما الحال في قمة موسكو ) ، تحدثَّ الرئيس اوردغان عن مشكلة اللاجئين و طالبَ بدعم مالي ، و ردّدَ أسطوانة فتح الحدود وطالب اليونان واوربا بفتح حدودها لاستقبال اللاجئين .
سياسياً ، يعرفُ الأوربيون التوظيف السياسي التركي لمشكلة اللاجئين السوريين ، مثلما يعرفُ الروس التوظيف التركي للجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا . و لمْ تتردد السيدة أورسولا رئيس المفوضية الأوربية بالتصريح علناً يوم امس ، عشية زيارة الرئيس اوردغان الى بروكسل ، بالقول بالاستغلال السياسي التركي لمشكلة اللاجئين .
كلُ ما سيكسبه الرئيس اوردغان من زيارته الى بروكسل هو استرجاع بعض مما فقده ، على الصعيد المعنوي والسياسي ، في قمة موسكو .
* سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)