محمود الهاشمي
ربما في لحظة من التاريخ يتوقف "عقل الامة" في انتاج حلول لمشاكلها، او على الاقل في ادارة شؤونها، وهذا ما حدث في مراحل مختلفة من التاريخ العربي مثلاً، حيث فيما كانت تزدحم الامة بالمفكرين والفلاسفة والادباء، يرتقي مستوى التدخل الاجنبي الى ان تُسمل عين المرشح للخلافة كي تسقط عنه أحد شروط الخلافة . ولو عدنا الى هذه الفترة من التاريخ لطالعنا افضل الاشعار والآداب والعلوم المختلفة, كما طالعنا اسماء وعناوين كبيرة !
البلدان العربية تمر بنفس "الاختناق السياسي" الذي يمر به العراق، وليس هناك من تجربة سياسية الا ووصلت الى طريق مسدود، او شكلت حكوماتها بـ"الحد الادنى" فيما تتصاعد التدخلات الاجنبية في صناعة الشخصيات والتجرية السياسية!!
السؤال الموجع: اذا كانت بلداننا تمتلك كل هذه الطاقات والكفاءات المتوزعة على الكرة الارضية، بحيث ليس هناك من دولة متقدمة الا وللكفاءات العربية من دور في تطورها، ترى لماذا تتعطل فاعليتها في بلدانها الاصلية؟
قد يقول "البعض" ان هذه الكفاءات تحتاج الى بيئة كي تعمل بها، والتجارب السياسية في البلدان العربية "طاردة" للكفاءات !
هذا صحيح ولكن: هل ينتظر "اصحاب الكفاءات" ان تفرش لهم دولهم بساطاً من حرير كي يتمكنوا من المشاركة في بناء دولهم؟
وفق هذه المعادلة، من الصعب ان نشهد تطوراً في بلداننا، وان نستفيد من كفاءات الامة.
ان "الاختناق السياسي" دليل فشل الطبقة السياسية في ايجاد الحلول، ورب سائل يسأل: لماذا لايستفيد السياسيون من مشورة نخبهم الفكرية في العراق مثلاً؟.
نقول ان "النخب المثقفة" لم تتاخر بابداء المشورة، وقد امتلأت –بطون وواجهات الصحف والقنوات الفضائية بآلاف الافكار والحلول دون ان يستفيد منها احد!!.وهنا يأتي السؤال ايضاً : ماهي اهم الحلول التي تم طرحها من قبل هذه "النخب" ولم يسمعها احد؟ ان واحدة من اهم هذه الحلول "اهجروا المحاصصة وعودوا الى تقاليد الديمقراطية التي تعتمدها الدول المتقدمة"، لكن السياسيين اشتدوا اكثر في اعتماد "الطائفية" و"الشراكة" و"التوافق" لذا فان جذر "الفشل" يكمن في رأي يُؤتى ولا يطاع"
يبقى السؤال لماذا يصر السياسيون على "اخطائهم"؟ الجواب: لانهم طبقة من "الفاشلين" ، و((الفاسدين))" اذا ما وافقوا رأي العقلاء سيفقدون السلطة!
ان حيرة طبقة السياسيين في البلدان العربية عموماً وفي العراق خاصة في انهم يريدون "حلاً"يبقيهم في السلطة وعدم محاسبتهم على ماسرقوه من أموال سحت !!وهذا هو سر الخلاف بين النخب المثقفة وطبقة السياسيين، هذا "الخلاف" هو الذي جعل السياسيين يفضلون حلول "الاجانب" الذين مهما كانت "صدقيتهم" لايمكن ان يكونوا بديلاً عن فكر الامة نفسها..
والا ما الذي يجعل بلداً مثل العراق يديره "رئيس وزراء مستقيل"؟ وهذا "المستقيل" يلتقي بالشخصيات السياسية من الزائرين للبلد، وداخل البلد، ويدير شؤون الدولة ، مثله مثل زوج طلق زوجته ومازال يعيش معها في ذات البيت ويدير شؤونها .
اول امس اجرت صحيفة الشرق الاوسط حواراً مع النائب محمد الغبان، حيث اكد ان العملية السياسية في نفق مظلم! هذا صحيح واعتراف طبيعي في ظل ما يمر به البلد , ولكن هل عجزت العقول العراقية في أن تضيء الطريق وتجد سبلا للحل ؟
الدكتور صالح المطلك قبل يومين قال "الشيعة لايحسنون ادارة الدولة" ونقول "حكمتم من قبل فماذا انتهيتم"؟..في مرة اجرت قناة الحرة حواراً مع د.صالح مطلك وسالوه عن رأيه بالمالكي فقال" رفضنا في مجلس النواب مشروع قانون البنى التحتية الذي أعده المالكي نكايةً به، والّا لو وافقنا عليه لما بقي عراقي دون سكن!
اذن ليس الطائفة وراء التردي والفشل انما انتم جميعاً، وعلى مساحة البلدان العربية اجمع. في آخر زيارة للحاج قاسم سليماني قبل استشهاده بالعراق قال لبعض المسؤولين (لانريد ان نتدخل في تجربتكم السياسية، ولا في صناعة حكوماتكم ..هذا بلدكم وانتم اولى بإدارته)" وهذا ما أكده السيد مقتدى الصدر ايضا خلال الحوار الذي اجرته معه قناة الشرقية ،ان الإيرانيين ابلغوا بعض السياسيين انهم لن يتدخلوا في شؤون العراق.
لابأس ان تستفيد من مشورة (الاصدقاء) وان نتلقى الدعم منهم لان المشتركات معهم كثيرة , فليس هنالك من دولة تحررت من نير الاستعمار أو شهدت نهضة صناعية او تنموية الاّ واستفادت من ((الاصدقاء)) ولكن ان يفكر هؤلاء نيابة عنك , فهذا أمر صعب! ولايرغب به حتى الاصدقاء ’ لان ((التعاون)) هنا تعدى حدود ه وتحول الى (تدخل) والى خلق مشكلة بين الطرفين , ليتحول الى (رأي عام )!
نحن الان دولة يحكمها شخص "مستقيل" وعندما نقول "مستقيل" فهذا يعني الشبه التام مع خلفاء بني العباس في العصر العباسي الثاني حيث يقول المؤرخون( في هذا العصر لم يعد للخليفة العباسي من سلطة )
وعندما نقول "مستقيل" يعني مثله جميع الكابينة الوزارية , ناهيك ان اغلب مؤسسات الدولة تدار عبر مسؤولين دون أدنى صلاحيات ’ وعاجزين عن اتخاذ اي قرار نافع .
وكنموذج لاعلى مراحل (الفشل) ان هناك الف مشروع (معطل) عجزت الدولة عن اكمالها ’ وان مشروع (محطة معالجة المياه) في البصرة , ذهب جميع المسؤولين الى المحافظة وزارتها المرجعية ومعها خبراء , وشكلوا خلية ازمة , وقامت عشرات التظاهرات بسببها , لكن بالاخير تأتي الامم المتحدة بدعم من (مؤسسة قطر الخيرية) لغرض اعادة تأهيل محطة لمعالجة المياه , وهذا النوع من المساعدات يتم فقط للدول الفقيرة جدا , وخاصة في دول افريقيا , وليس في دولة تصدر خمسة ملايين برميل نفط يوميا !!
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha