المقالات

 القوة الناعمة للولايات المتحدة وتراجعها إبّان الفترة الرئاسية الأولى للرئيس ترامب


علي حيدر

 

في بداية الحديث،  علينا أن نُفسر المقصود من مصطلح القوة الناعمة لكي نُدرك لاحقاً كيف تراجعت تلك القوة  لدى الولايات المتحدة في السنوات الأربع الأخيرة .

تُعَرَّف القوة الناعمة بحسب المُفكر الأمريكي جوزيف ناي بإنها "قابلية التأثير على تصرفات وأفعال كيان أو جهة معينة بطريقة تُفضي في النهاية إلى الحصول على النتائج التي ترغب بها أنت "

وبتعبير أوضح" القوة الناعمة هي قدرة التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج المرغوب فيها "

وللقوة الناعمة أمثلة عديدة  بمقدورنا رؤيتها والشعور بها  في حياتنا اليومية أو من خلال الإطلاع على تجارب الأمم السابقة ببساطة . فيُمكن على سبيل المثال إعتبار الدعوات الدينية التي كانت تُنشر على لسان الأنبياء والرُسُل كإحدى صور القوة الناعمة حينئذٍ ، لأنها افضت في النهاية الى الهدف المنشود من تلك الدعوات وهي إنجذاب وإيمان عددٍ من الأفراد بصورة طوعية إلى الرسالة الموضوعة بين أيَدَيهم.

 وكذلك  مثال واقعي آخر هو  النظرية الماركسية والشيوعية التي لاقت رواجاً كبيرا في القرن العشرين، إذ أنتجت  في نهاية المطاف طبقة كبيرة من شعوب العالم الشرقية مؤمنة بالأفكار التي  روجّ لها كل من لينين وكارل ماكس بصورة طوعية وبقناعة راسخة .

بالتأكيد هنا في قبال القوة الناعمة الموُضَحة في السطور السابقة هنالك ما يمكن تسميتهُ بالقوة الصلبة ( أي القوة المتعارفة لدينا نوعاً ما  )

"وهي كل استخدام للوسائل العسكرية او الاقتصادية بغية التأثير على سلوك فرد أو كيان محدد")

 والفرق بين هذا النوع من القوة  والقوة الناعمة. أننا نرى في القوة الناعمة الشخص المتلقي يقتنع بصورة طوعية  وبكل إرادة مسبقة  بالفكرة او المبدأ  ، ولكن على النقيض من ذلك تماما  في القوة الصلبة لا نرى أي إنجذاب للفرد بصورة طوعية  بل يتم استخدام جميع أدوات الضغط على هذا الشخص أو الكيان من القوي  للوصول الى النتيجة المرغوبة والمأمولة .

بعد هذا الشرح المبسط لمفهومَي القوة الناعمة والقوة الصلبة نرجع  إلى موضوعنا الرئيسي (إنحسار القوة الناعمة للولايات المتحدة في السنوات الأربع الأخيرة )

 كان الرئيس ترامب في حملته الإنتخابية الاولى يرفع شعار  (Let’s Make America great again) أي لِنجعل أمريكا تبدو عظيمة مرةً أخرى ، ولكن على أرض الواقع ومن زاوية تأخذ بعين  الإعتبار مفهوم (القوة الناعمة)  ما حدث خلال هذه  السنوات الأربع  الماضية كان العكس تماماً.

فالعالم شَهِد خلال هذه الفترة من رئاسة ترامب وجهاً مُغايراً للولايات المتحدة ، رأت الشعوب رئيساً لا يكترث كثيرا للمعاهدات والمواثيق الدولية ، و شهدت أيضاً  رئيساً لا يُعير  الكثير من الإهتمام  للقضايا الرئيسية التي تهدد سلامة النوع البشري بأكمله (كالتهديد الحاصل من التغير المناخي ) ،

وأظهر  الولايات المتحدة الى المشهد العالمي وللشعوب كافة  كدولة مُبتَزة  للدول الغنية وللحكومات الضعيفة بصورة علنية وفاضحة

.   إضافة الى القرارات المُتسرعة المُتخذة حيال قضايا محورية في السياسية العالمية ووصولاً إلى التضليل  الإعلامي الواضح الذي مورِسَ من طرفه في وسائل الإعلام  وصفحته في تويتر ... إلخ

كل هذه النقاط إضافة إلى نقاط عديدة اخرى جعلت من المواطن البسيط  المُقيم في أي من دول العالم ينظر بنظرة ملؤها الريبة وعدم الإطمئنان لأي خطوة يُقدم عليها الرئيس الأمريكي  ، لانّ الثقة في هذه الإدارة  أصبحت هنا على المحك بل معدومة  .

في نهاية العرض  أود ان أُشير إلى مسألةٍ اخرى مهمة

 . إنّ النتائج الإقتصادية والعسكرية والمعيشية الجيدة نسبياً المُحققة في السنوات الأربع الأخيرة على يد الرئيس الأمريكي للداخل الأمريكي  ، قد لا تتعدى مستوى النتائج الآنية قصيرة الأمد فقط  ، ولكن على المستويات والمَديات البعيدة قد تكون لهذه السياسية المُتبعة في الوقت الراهن  نتائج وارتدادات عكسية على الولايات المتحدة بإعتبارها دولة راعية للنظام الليبرالي الديمقراطي . وإن أي تجديد لفترة رئاسية ثانية للرئيس ترامب قد تُفضي في النهاية إلى إنحسار  هذا التضامن مع القيم التي روجت لها الولايات المتحدة وبنَت عليها سمعتها في العقود الأخيرة (الليبرالية ، والحرية والديمقراطية) وبالتالي تصبح غير قادرة على جذب الشعوب لتلك المفاهيم والقيم بالطريقة التي كانت تعمل عليها  في السنوات السابقة .

ــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك