عبدالزهرة محمد الهنداوي
ليس من السهولة بمكان ان يتم الإنفاق المالي في البلد من دون وجود قانون لموازنة سنوية تحدد الإطارات والمسارات وبالتالي مشروعية الإنفاق في اي جانب من جوانب الحياة ، لذلك فان قلقا كبيرا ساور شرائح واسعة من المجتمع ، خشية ان يمر هذا العام من دون موازنة ، نتيجة الوضع السياسي وما ترتب على استقالة الحكومة وعدم مرور الحكومة البديلة ، ومرور ثلاثة اشهر من العام الجديد ، اذ كان من المفترض ان تكون الموازنة مصادق عليها قبل حلول العام او على الأقل في الشهر الاول منه ، والقلق الذي نتحدث عنه ربما يعيد الى الأذهان ، بنحو او بآخر سيناريو عام ٢٠١٤ ، الذي سجل اول سابقة ، بعد ان مر من دون موازنة ..
ولكن السؤال هنا ، ماذا لو ان قانون الموازنة كان قد اقر في وقت مبكر من هذا العام ، واتت الأزمة الجديدة المتمثلة بانخفاض أسعار النفط بصورة مفاجئة ؟ ، هل كنا سنعيد النظر بالقانون ، وفقا للمتغيرات ؟ ، لا أتوقع ان العملية ستكون سهلة ، في ظل الأوضاع السياسية التي تخيم على البلد ، وبالتالي فاننا سنكون ازاء مشكلتين ، الاولى تراجع الإيرادات ، والثانية صعوبة اعادة النظر بالموازنة .. ولعل هذا التأخير ، كان فيه صالحا للبلاد والعباد ، وفقا للمثل العراقي المشهور (بيها صالح) !! .
"والصالح" الذي نتحدث عنه هنا ، هو طالما ان الموازنة مازالت لدى الحكومة ، وفي ظل الانهيار المفاجئ لاسعار النفط ، فان الامر يتطلب اعادة النظر ببنود ومواد القانون، وفقًا للأولويات والظروف التي تواجه البلد ، وبنحو يضمن تجاوز الأزمة باقل الخسائر ، مستفيدين من درس عام ٢٠١٤ ، الذي نتجت عنه تداعيات خطيرة ، لما نزل نعيش نتائجها الوخيمة ، ومنها توقف آلاف المشاريع التي كانت كلفت الدولة أموالًا طائلة ، وقطعا ان هذا التوقف اثّر على مستوى الخدمات ، فلو تمكنت الحكومة في حينها من انجاز تلك المشاريع ، لتغير الواقع الخدمي نحو الأفضل ، كما ترتب على تلك الأزمة أيضا ارتفاع معدل الاقتراض من الداخل والخارج لسد متطلبات الإنفاق الهائلة ، مما فاقم الديون الخارجية والداخلية .. ولذلك نقول ، ان ، اعادة النظر بالموازنة ، اصبح ملحاً جدا ، للأخذ بنظر الاعتبار معالجة العجز المخيف فيها ،الذي سيتفاقم بالتأكيد مع هذا الانخفاض في أسعار النفط ، لضمان الإنفاق على المفاصل الأساسية في البلد ، وفي مقدمتها تأمين رواتب موظفي الدولة التي تمثل خطا احمرا ، لايمكن المساس به ، ولكن ثمة أبواب انفاق اخرى يمكن ترشيدها او تهذيبها بما يتلائم مع الإيرادات المتحققة ، ، وهذه تسمى الحلول العاجلة او الآنية ، لعبور الأزمة ، ولكن ، أيضا يجب الاستفادة من هذه الأزمة في التوجه نحو تحقيق التنمية الفعالة ، في القطاعات التنموية ، التي يمكن ان تمثل محركات مهمة للاقتصاد ، مثل القطاع الزراعي ، والصناعي او السياحي ، من خلال تمكين القطاع الخاص ، الذي سيتولى هذه العملية وفق السياسة التنموية العامة للدولة ، ففي هذه القطاعات الثلاث امكانات اقتصادية هائلة غير مستغلة الى الان ، ناهيكم عن مفاصل اخرى مهمة يمكن العمل على تنشيطها ، لتمثل مصادر جيدة لتعظيم الإيرادات ، وتقليل نسبة الاعتماد على النفط ..
القضية ليست سهلة ، على الإطلاق ، في ظل محدودية الموارد المتاحة ، لذلك نقول ، ان علينا استثمار هذه الأزمة النفطية ، باتجاه البحث عن الحلول الحقيقية لمعالجة الواقع التنموي في البلد .
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)