د.احمد جمعة البهادلي
اجتاحت الساحة العالمية مؤخراً موجةُ تحدّي خطيرة هي وباء "الكورونا" في سابقة لم تشهدها دول العالم من ذي قبل باستثناء ما حلّ من مرض الطاعون والجدري والانفلونزا الاسپانية وما حصد من أعداد كبيرة من الضحايا!!..
عادةً ما تقترن هذه الكوارث بتحولات نوعية في ثقافة الشعوب التي تمنى بها ولئن تجبّرت الكثير من الدول بما تملك من قوة تسليحية مدمّرة وإمكانات مالية
هائلة قد وقفت مذهولة أمام هذا القدر الالهي المعجز!!..
في ظلّ هذه الأزمة خفّت وتيرة الأزمات المحلية والإقليمية وطغى وباء الكورونة عليها جميعاً وقد أصبح تحدّياً غطّى على كل التحديات ليتردد إسمه على كل الالسن ولكل الشعوب كما شمل جميع الاعمار انه نذير خطر ساحق والغاطس منه أشد من الطافي على السطح ان لم يتداركنا الله بواسع رحمته وقدرته!!..
لقد أصاب الشلل الكثير من مؤسسات الدول ولَم تبدو حتى الان بوادر الانفراج بشكل يزيل القلق الماحق!!.. ولَم تزل الحيرة هي السائدة وحتى الان منهم من يقول انه "ڤايروس الكورونا" ومنهم من يقول انه "غاز السارين"! اذا ما استمرت وتيرة الشدة فالتداعيات المتوقعة أمرّ وأدهى! منظمة الصحة العالمية أشارت الى أنّ عدد الدول المشمولة حتى الان 189 دولة!!
في ظل هذه الاجواء فإنّ ثقافةً مشتركةً بتعقب أعراض المرض والتسلح بالوقاية
منه تنتشر بسرعة تكشف عن الخوف من عواقبه وما يمكن ان يجرّ من ويلات لا حدود لها!!..
وبدأت تظهر وبشكل لافت أهمية التزوّد بثقافة الوقاية منه والالتزام بالاحتياطات الصحية اللازمة وفاعلية الحكومات في الحد منه تكشف عن المنظور الحضاري لتلك البلدان لحقيقة الانسان فالصين قد أصابها كورونا في "أوهان" لكنّها كثفت جهودها لتجاوز المحنة واحترام
الانسان فيما تكون بعض الدول الغربية وبمنظور سباتها العميق بوحل المادية تتنكر للانسان وتفكر بالاستهانة بحياة الكثير من الناس لحفظ الأكثر!! فوصلت الصين وهي "البلد المنكوب الاول" الى خط الانتصار على "كورونا" في حين سجلت الدول الاخرى فشلاً حادّاً وعاراً بالتعامل مع مواطنيها تلخصّها مقولة أن الجيل الذي بنا واقعها مشكوراً حان وقت مغادرته!!..
لا حلّ لهذا الانحدار بحضيض الإفلاس الأخلاقي الا العودة الى الله تعالى من جديد "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا".. هذه الآية تكشف عن "روعة التكريم" للانسان أولاً ومن ثمّ التفضيل بالرزق ليبقى الانسان مكرّمّ عند الله بما هو انسان!!.. وانّ التفضيل على باقي خلقه بالرزق غير تكريمه بالمطلق!!
مطلوب مراجعة معرفية جذرية وجادة وشاملة على مستوى الدول والأشخاص لمفهوم الانسان وكذلك صياغة حقوقه وواجباته لينطلق من "أسر الحيونة" التي وقع فيه!!..
التمادي في الظلم والفساد وكيف أدّى ذلك الى حلول البلاء كالذي حلّ بقوم عاد وثمود "أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ قَوْم نُوح وَعَاد وَثَمُود وَقَوْم
إبْرَاهِيم وَأَصْحَاب مَدْيَن وَالْمُؤْتَفِكَات أَتَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّه لِيَظْلِمهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ"..
لقد فرزت التجربة خطابين "خطاب تخبّط وحيرة" وخطاب "مراجعة بوعي" و"تجاوز الهزة" و"شجاعة العودة الى الله" و"البحث عن الحلول" تعيد للفطرة التي فطر الله الناس عليها والتي لن تتبدل!! "فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ
اللَّه ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ"..
هذه الجائحة [الجائحة، وجمعها جوائح هي وباء ينتشر بين البشر في مساحة كبيرة مثل قارة أو قد تتسع لتضم كافة أرجاء العالم.] تضع العالم على حافة الهلاك المدمّر ويفترض أن يكون معها بكامل الاستعداد للمراجعة وتجاوز الغرور!!..
البشرية اليوم تفقد أعزّ ما تحتاج اليه وهو "الطمانينة".. ولا تتأتى الا بذكر الله "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبهمْ بِذِكْرِ اللَّه أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب"" ذلك الذكر الذي يبعث الانسان نحو العمل بجد والاصلاح وإلغاء كلّ فوارق الظلم الذي انتشر بين بني الانسان.. }
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)