حامد البياتي
في ظل عصبة الامم المتحدة، ولد وعد بلفور، وبدا جهدا دوليا لمصادرة وسرقة وطن من اهله، لشعب يهودي موزع في الشتات، وكذلك سمعنا بمعاهدة سايكس پيكو التي قسمت العالم العربي وكانه فطيرة طرية بين الفرنسي والانجيليزي، واللذان وضعا على شرائحها زعماء سياسيين خونة واذناب عملوا على تكريس السبات والجهل للشعوب٠
وفي عام ١٩٤٥ تنفس العالم الصعداء بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية، وتم تاسيس منظمة الامم المتحدة التي ظن فيها الصغار املا ورجاءا لاسترداد حقوقهم، ولكن خاب ظنهم، وبقوا رهين الاضطهاد، واعلنت رسميا قيام دولة الكيان الصهيوني٠
وإبان الثنائية القطبية وصراع الحرب الباردة بين الكتلتين العظيمتين، اتحفوا العالم الاسلامي بزعماء اكثر خبثا ومكرا، فبعد محمد علي جناح، حكم الباكستان من بعد فترة پرويز مشرف الذي باع حتى نفسه للاجنبي، وبعد اتاتورك الصريح في علمانيته، جاء رجب علي اوردغان بنفاق اسلامي حرفي، يشتم اسرائيل في العلن ويعشقها في السر، وبعد محمد مصدق الليبرالي جاء شرطي المنطقة الامريكي الشاه البهلوي محمد رضا، وهكذا بقية اوطاننا٠ ا
لقد صنع الكبار العالم على مقاسهم، فخمسة دول فقط لهم عضوية دائمة في مجلس الامن ولهم حق الفيتو، ولتشرب بقية شعوب من البحر٠
ومع كل هذا الدم المراق، والاعتداء، والجور على الحقوق، تطالعنا اسئلة حيرى عن حضارة وثقافة القرن الواحد والعشرين٠
في البدء علينا ان نميز بين الحضارة والثقافة، فالاولى، قديمها وحاضرها، هي التوسل باليات القوة والعنف والمبتكر المادي واعتماد اساليب خاصة في التجارة والصناعة والعمالة، ولا تتاطر بالاخلاق، فالحضارة الفارسية وفي زمن نادر شاه، هاجمت الهند ودكت مدنها واباحتها لجندها فصنعوا مجازر مازالت عالقة في الذاكرة الانسانية٠
والحضارة الصينية التي تتفاخر بسورها العظيم، الذي بنته بالجبر والقهر والعتو، حيث ساقت الملايين من الصينين للعمل تحت اشد الظروق قسوة ومشقة، وكان من يموت منهم يطحن بعظامه ويستخدم كملاط بين صخور السور عملا باوامر الخواقين لتكون عروشهم في مامن من هجوم قبائل المغول الشمالية طيلة الف عام، ولكن جنكيزخان استطاع ان يدمره وينقض على حكامه٠
وحضارة الفراعنة التي سخرت بني اسرائيل برعب يهز النفوس في بناء اهراماتها المتغطرسة، وهم يهتفون نحن الهتكم ولنا ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتنا٠
والرومان في حضارتهم سطروا مجازر بحق البربر والجرمان واقاموا حروبا دموية ضد الفرس٠
والروس مارست حضارتهم في القتل للقازاغ والاوزبك وساقتهم مع الشيشانيين للقتال في الحرب العالمية الثانية٠
واما الحضارة الغربية، ففسادها زكم الانوف، فالجزائر قدمت مليون شهيد من جراء عنف القوات الفرنسية، والهند فقدت خيراتها طيلة ٢٠٠ سنة امام جشع بريطانيا، والكونغو شهدت قطع ايادي ابنائها اذا خالفوا القوانين البلجيكية، واما اليابان فقد تعرضت اثنين من مدنها الى الغارات النووية الامريكية مما ادى الى تركيعها واستسلامها٠
واما قصة الثقافة فهي تختص بالساحات الناعمة، كالابعاد الفكرية والروحية والادبية والقانونية والفنية وماشابه، ومن المعلوم ان الحضارة الامريكية التي ولدت قبل ثلاثمئة سنة ليس لها من العمق الثقافي التي تناهز به الصين والهند والفرس والمسلمين، لهذا دمجت المكونيين في عملة ذات وجهين، ذرا للرماد في العيون، وقد تولت هووليود هذا الامر، فكاتب السيناريو يسطر ثقافة، لكن العمل الفني والتقني الذي يسكب عليه يجعل منه صناعة سينمائية حضارية عملاقة تروج في الكثير منها، لافكار هابطة غريزية كزواج المثلين الذي بدا يلقى تعاطفا وتشريعا في عديد من الدول، او تشويه صريح للاسلام من خلال رمزية داعشية حمقاء تصورها وهي تنهال بالفؤوس على الرؤوس والاضرحة والمراقد الدينية والتماثيل التاريخية كما صنعت في بوذا في باميان٠
ونحن في هذا الجو الضاغط حضاريا وثقافيا، نحتفل بميلاد امامنا الغائب، وننتظر نجمه الابهج، ولكن علينا ان نعمل على علاج ضعفنا الديني وتشرذمنا السياسي، ونصلح مافسد من ذمتنا المالية والاجتماعية، ونرفع المظالم اليومية التي تكوي فقيرنا وضعيفنا، لانها المقدمات لظهوره المرتقب الميمون٠
قال تعالى في كتابه المجيد ( الا ان وعد الله حق )٠
صدق الله العلي العظيم٠
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)