جعفر الحسيني
في مساء ذلك اليوم الذي صادف الاربعاء ، وبعد السابعة بدقائق معدودة ، سقطت طائرة ( الهليكوبتر ) التي تقل الرئيس عبد السلام عارف - عندما كان في جولة تفقدية - في منطقة تبعد عن البصرة ( ٥٠ كم ) شمالا ، بسبب مطبات هوائية شديدة ، مع غبار في الجو ، ماجعل مجال الرؤية معدوما ٠ ولم تكن الطائرة مجهزة بآلة ايجاد الاتجاه ( راديو كومبس) ، ولا مطار البصرة ( القريب ) يملك جهاز اعطاء الاتجاه للطيارين ممن فقدوا اتجاههم في الاجواء العراقية ٠
وقد انتهى التحقيق بعد شهر من الحادث ، الى ان الطائرة اشتعلت بعد اصطدامها بالارض ، نتيجة تسرب وقود الطائرة الى محركاتها ، وانه ليس هناك ما يدل على تفجيرها اطلاقا ٠ لقد كان الحادث قضاءً وقدرا ، ولم تتبناه يوما اية جهة ٠
وعُثر على جثث الضحايا فجر اليوم التالي ، وكانت جثة الرئيس عبد السلام واضحة المعالم ، سوى ان بعض شعره كان محترقا ، وكذلك كانت قدمه اليمنى قد احترقت ، وقد تمزق قسم من سترته ، والتي وجدوا فيها مصحفا صغيرا ٠ ونُقلت الجثامين عصرا الى بغداد ٠
وجرى لها تشييعا رسميا ، بمشاركة وفود عربية واجنبية ، ظهيرة يوم السبت ١٦ نيسان ، ثم دفن الرئيس عارف في حديقة جامع الشيخ ضاري في ( ابو غريب ) ٠
كانت الحكومة العراقية قد اعلنت صباح الخميس ١٤ نيسان - وبعد العثور على جثث الضحايا فجر ذلك اليوم - عن الحادث ووفاة الرئيس فيه ، وتولي رئيس الوزراء الدكتور عبد الرحمن البزاز مهام الرئاسة ، الى حين انتخاب رئيس جديد - خلال اسبوع - باغلبية ثلثي المجموع الكلي لاعضاء مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني - حسب احكام الدستور المؤقت النافذ ٠ كما أُعلن منع التجول حتى اشعار آخر ٠
وفي ١٦ نيسان ، اجتمع ( ٢٨ ) شخصا ، لاختيار الرئيس من بين مرشحين ثلاثة ٠
الاول ، كان اللواء عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع -المعروف بشخصيته العسكرية القوية - ولم يحصل الا على صوته هو ٠ وقد رفض عرضا من ابن مدينته قائد الحرس الجمهوري العقيد بشير الطالب بفرضه رئيسا بالقوة ٠ بالمناسبة ، فان الرجل وبعد ان حُكم عليه بالاعدام - عام ١٩٦٩ - ثم خفف للسجن المؤبد ، دسوا له السم - عام ١٩٨٢ - في سجن ابو غريب ، وحملوا جثته بعربة نقل القمامة ، ولا يدري احد - حتى هذه اللحظة - اين دفنوه ٠ وللاسف لم يجر لهذا الرجل الوطني والنزيه اي تكريم- بعد عام ٢٠٠٣ - ولم يطلقوا اسمه على شارع او ساحة ، حتى في مدينته الموصل !!!!
الثاني ، كان الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء ، عميد كلية الحقوق الاسبق ، وقد حصل على الاغلبية ( ١٤ صوتا ) ٠ ولكن الرجل اضطر للانسحاب تحت التهديد ، و يقال ان العميد سعيد صليبي - قائد قوات بغداد - هدد البزاز بالاعتقال واجبره على الانسحاب ٠ وهكذا خسر العراق فرصة تاريخية عظيمة بانسحاب هذا الرجل المثقف والنزيه والقدير ٠ والبزاز هو الاخر كان قد اعتقل عام ١٩٦٩، وعذبوه بقسوة حتى اصيب بجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة والنطق ، وقيل ان ذلك بفعل زرقه بابرة سامة ، فاطلقوا سراحه ، ثم مات ودفن ببغداد عام ١٩٧٣ ٠ وهو الاخر - وللاسف الشديد بل وللعار -لم يجر تكريمه حتى ولا باصدار طابع يحمل صورته ، ولم يطلق اسمه على اي شارع او ساحة ٠٠الخ ببغداد ، بعد ٢٠٠٣ ٠
اما الثالث ، فهو اللواء عبد الرحمن عارف رئيس الاركان وكالة ، وقد حصل على ١٣ صوتا ٠ ولكنه اصبح هو الرئيس ، بعد انسحاب البزاز ، واعادة التصويت ٠ فمصر كانت تؤيده - وكان الوفد المصري برئاسة المشير عبد الحكيم عامر قد رشح في البداية عارف عبد الرزاق رئيسا للجمهورية ثم تبنوا عبد الرحمن عارف - هذا من جهة ٠ وكانت اغلب القيادات العسكرية في ايدي اقربائه من جهة ثانية ٠ وربما هناك سبب اخر مهم لاختياره ، فانه كان الاضعف من بين المرشحين الثلاثة ، واقلهم طموحا واقلهم خطرا ٠ فضلا عن انه اقلهم كفاءة ٠
كان بين ٢٨ رجلا من الذين اختاروا الرئيس الجديد ، ١٦ مدنيا (رئيس الوزراء والوزراء) ، و١٢ قائدا عسكريا ٠ وبحسب انتمائهم القومي والمذهبي ، كان هناك كردي واحد ( مصلح النقشبندي وزير الدولة ) ، واربعة وزراء شيعة ٠ والحقيقة ان القرار كان بيد رجل واحد ، هو العميد سعيد صليبي قائد قوات بغداد ٠
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)