حامد البياتي
يلمس من يقرا للبروفسور والمفكر السياسي الامريكي والاستاذ في جامعة هارفرد لمدة ٥٨ عاما، صموئيل هنتنغتون، في كتابه، صدام الحضارات واعادة تشكيل النظام العالمي، سطورا لاهبة، بل ويشعر ان يدا غاضبة تخرج من بين صفحات الكتاب لتصفع كل من يخالف تنظيراته وخططه التي هندسها فيه، وفحواها، ان الحضارة الامريكية والاوربية ( التي تتشابه في سمتها ودينها واجتماعها ) ستنتصر في حربها على بقية الحضارات الاجنبية والخارجية كالكونفوشية الصينية في شرق اسيا والروسية والاسلامية واللاتينية والهندية، وانها لن تضع لامة الحرب حتى تهمشها وتهيض اجنحتها وترصفها على رفوف المتاحف٠
ولكنه من حيث يدري او لايدري، جانب الحقيقة التاريخية، في ادعاه هذا، فاغلب الصراعات التي شهدتها الحياة، واكثرها عنفا، كانت بين الشعوب التي تجمعها حضارة واحدة، فالحرب العالمية الاولى والثانية كانت بين الاوربيين والامريكيين انفسهم، والحرب الفرنسية الانجيليزية التي استمرت من القرن الثامن الى الحادي عشر، والحروب النابليونية التي جرت بين فرنسا وكل من روسيا واسپانيا وانجلترا وايطاليا، وحرب البرتغال واسپانيا، وفي ايطاليا كانت هناك حروبا اهلية حرقت الليل والنهار بين كانتوناتها حتى جاء جارليباري في القرن التاسع عشر واطفئها٠
والامر صحيح ايضا مع الحضارة الاسلامية، فحروب الصفويين والعثمانيين لاتنتسى، وكذلك حروب نادر شاه مع القاجاريين، والاسماعيلين مع العباسين، والموحدين مع المرابطين في المغرب، والايوبيين مع الممالك٠
وفي شرق اسيا لم يكن حظها افضل، فقد نشبت حروب بين دولها، كالحرب بين المغول والصين، والمغول واليابان، والصين وفيتنام، والخمير الحمر وتايلند٠
وحتى داخل امريكا، كانت هناك الحرب الداخلية بين الشمال والجنوب والتي استمرت من ١٨٦١ ولغاية ١٨٦٥٠م٠
والملفت في هذا الكتاب انه نشر في عام ١٩٩٦ اي بعد عام واحد من انفجار اوكلاهوما الذي نفذه الامريكي تيموثي ماكفي وهو نبت من عاصفة الصحراء وحرب الخليج الاولى الذي تشبع بالرصاص وابتلع الكثير من الدماء وقد كان مهووسا بالاسلحة منذ نعومة اظفاره، وقد نال نجمة برونزية لبسالته القتالية، مع زميله تيري نيوكلز، امام مبنى الفدرالية بشاحنة متفجرة، وراح ضحيتها اكثر من ١٦٨ قتيل و ٦٨٠ جريح، ثأرا للهجوم الذي تم على الفرع الداودي الذي يتعاطف معه والذي احترق فيه ٧٦ عنصرا، كما ان المؤلف، نشر مقالة وعنوانها تآكل المصالح الامريكية اكد فيها، ان انفجار اوكلاهوما لم يكن ليحصل لو كان للولايات المتحدة عدوا خارجيا، وهو بذلك بدا وكانه يحذر من ان غياب العدو يستتبع انفجار الفوضى الداخلية، فاقتنع الرئيس في حينها بيل كلينتون بالفكرة فراح يصنع الاعداء ويفتعل المواجهات المحدودة ويستغلها اقتصاديا ويصدر الاختناق للخارج٠واما احداث ١١ ايلول من ٢٠٠١ فجائت على هواه ومشربه، فصنع منها جورج بوش حروبه الكبيرة ليرحل الازمات الداخلية وليصيب الكثير من اباريق الطاقة واكوابها التي يطاف بها على موائد الدولة العميقة التي لاتستغني عنها وهي تقود امريكا والعالم٠
لقد ظهرت على مسرح الولايات الخمسين، ولمرات عديدة ومازالت، اصواتا تحرض على الانفكاك من هذا الانحاد، وخصوصا الغنية منها كتكساس وكاليفورنيا، وهي ترى، انه من الجنون ان تقحم امريكا نفسها في خلق الازمات الدولية، والاولى بها ان تنفق هذه الاموال الفلكية لتنمية الداخل الامريكي وزيادة ازدهاره٠
يظهر ان لعبة الحشد لمواجهة عدو خارجي ولو وهمي، للهيمنة على الداخل، قديمة جديدة، فعمر بن الخطاب كان يزج بالكثير من الصحابة الناقمين على سيرته وسياسته في الفتوحات الخارجية ليتقي شرهم وليغوص مسترخيا بعمق في كرسي الحكم٠
قال تعالى في كتابه المجيد ( وان جنحوا للسلم فاجنح لها )٠
صدق الله العلي العظيم٠
١٨/٤/٢٠٢٠
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)