د.حسين علي السلطاني / رئيس مؤسسة السجناء السياسيين
الكتاب للكاتِب السجين السياسي الأستاذ : ( ناهض هندي )
الحلقة الاولى
- تمهيد :
إعتادت مؤسسة السجناء السياسيين أن تُقيم إحتفالاً سنويّاً بمناسبة يوم السجين السياسي العراقي ، الذي يتزامن مع ذكرى شهادة الإمام الكاظم "ع" في الخامس و العشرين من شهر رجب من كل عام .
و حيث أن المؤسسة لم تتمكّن من إقامة هذا الإحتفال لهذا العام بسبب الظروف الصحيّة -جائحة كورونا - التي يمر بها بلدنا العزيز ، فقد إرتأت رئاسة المؤسسة أن تحيي هذه المناسبة بطريقة أخرى ، تساهم بتحقيق الغرض نفسه المنشود من وراء إقامة الإحتفال ، وهو أن يتولى رئيس المؤسسة نشر بحث حول كتاب صدر مؤخراً للسجين السياسي : ( ناهض الهِندي ) تحت عنوان : ( من شقوق الظلام ) ، أرّخ فيه الكاتب فترة سجنه التي إستمرت لعشر سنواتٍ تقريباً ، و ذلِك لأن قراءة هذا الكتاب ، و بيان أهم الأحداث و المواقف الواردة فيه ، و إستنتاج أهم العبر منه ، ومن ثمّ تكريم مؤلفه و إعتباره أحد رموز التضحية و الثقافة للسجناء السياسيين لعام ٢٠٢٠ ، يحقق الهدف الأساسي لإحياء ذكرى يوم السجين السياسي من قبل المؤسسة .
هذا وستتم قراءة الكتاب من خلال المباحث الآتية :
- المبحث الاول : نظرة عامة عن الكتاب والمؤلف ، وفيه مطلبان :
المطلب الاول : نظرة عامة عن الكتاب
المطلب الثاني : نبذة عن حياة المؤلف
المبحث الثاني:إنتهاك حقوق المعتقلين
المبحث الثالث : نماذج متألقة
المبحث الرابع : إنتهاك حقوق السجناء
الخاتمة : الاستنتاجات
نسأل الله أن يكون هذا العمل مثمراً ونافعاً ، ويساهم في كشف الحقبة المظلمة لنظام البعث المجرم من جهة وبيان حجم الظلم والإضطهاد والمعانات التي تعرض لها السجناء والمعتقلون من جهة أخرى : (وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ... ) التوبة /١٠٥
المبحث الأولى : نظرة عامة عن الكتاب و المؤلف .
المطلب الأول : الإطار العام للكتاب
جاء الكتاب تحت عنوان : ( من شقوق الظلام ) و هو إشارة واضحة الى أنّ ما ورد فيه من أحداث و مواقف لا تمثل في الحقيقة الاّ شذرات من ذلك الظلام الدامس الذي عاش أحداثه الكاتب لمدّة عشر سنوات ، لأن توثيق تلك الحقبة السوداء لجرائم النظام البعثي البائد بحق المعتقلين و السجناء من جهة و بيان مواقف هؤلاء الشرفاء من أبناء الشعب العراقي الغيور تجاه تلك الجرائم من جهةٍ أخرى أمر متعذّر ، ولا يمكن أن يستوعبها كتاب أو يحيط بها مؤلّف ، مهما توفرت له من المصادر أو تمكن من أدوات كتابة ؛ ولذا جاء العنوان معبراً بدقة و تلقائية عن مضمون الكتاب ، ولم يواجه الكاتب عناء في إختياره : ( لم أجهد نفسي في إختيار عنوانٍ لتجربتي هذه التي قد يحلو للبعض أن يسميها رواية و ر بّما آخر ينعتها بالمذكرات ، و إن كانت في حقيقتها ليست كذلك بالنسبة لي ..
السجن كان مكاناً مظلماً شديد العتمة مغلقاً بإحكام شديدالى درجة لم تسنح لي و لا حتى فرصة واحدة لمغادرة الزنزانة العفنة برطوبتها المظلِمة بجدرانها الغامقة و المزدحمة دائماً بأجاسادٍ بشرية و كائنات أخرى من حشرات و هوام ، لم يحدث لي و لسنوات طويلة ، حتى و لا ساعة واحدة أن تنّفستُ هواءً نقيّاً ، و لا أن سطعت شمسٌ عليَّ ، طيلة سبع سنواتٍ تقريباً ...
لذا كان السجن بالفعل صندوقاً مظلماً لا يقوى أي كائنٍ من الخارِج على رؤية ما في داخلة ، و إذا كان كذلك فكيف يتسنى لي أن آخذ القارئ إليه و أطلعه عمّا يجري فيه إلّا عبر وسيلة بدائية وحيدة ، هي إستراق النظر من شقوق صغيرة في جدره الصماء ..) الكتاب ص١٠-١١
و في مجالِ موضوعية الكاتب وأمانته في نقل الأحداث و الوقائع التي عاشها بنفسه يقول : ( كُلّ ما سوف أرويه حقيقي تماماً ، لا زيادة فيه و لا مبالغة ، بل العكس هو الصحيح تماماً ، فمن الإنصاف أيضاً أن اقدّم إعترافاً مُسبقاً بأني فشلت في وصف الصورة الحقيقية ، بل عجزت عن ذلك تماماً ..
كلّ ما سوف يُقرأ هنا هو صورة بالغة في البهاتة لما جرى في عالم الحقيقة ..) الكتاب : ص١٢
الكتاب- موضوع القراءة - قصة من السرد الواقعي تضمّن مجموعة من الحوادث المحبكة من حيث تسلسلها و ترابطها و تصاعدها الدرامي ، فقد أستحصر الكاتب في هذه القصة جميع العناصر الفنية لها ، من الحدث الذي أبدع إتقانه ، و الشخصيات التي أجاد تصوير مظاهرها و خصائصها النفسية ، و بيان أدوراها المتعدّدة ، و الأسلوب الممتع والشيق الذي إمتاز بالموازنة بين المحافظة على التصوير الفني للمشاهد و بين الإلتزام بواقعية الأحداث وموضوعية التوثيق
إستوعب الكتاب (٢٩٦) صفحة من الحجم الرقعي ، و توزعت أبحاثه على قسمين أساسيين :
القسم الأول : فترة الإعتقال :
إستمرّت هذه الفترة لمدّة ١٠ أشهر و يومين ، من( ٢٧-٨-١٩٨٢ ) _ ( ٢٩-٦-١٩٨٣)
تنقل خلالها الكاتب من أمن بغداد إلى مديرية أمن الموصل والتي قضى فيها أغلب فترة إعتقاله ، و قد تضمن هذا القسم توثيق (١٨) حادثة مرّ بها الكاتب أثناء فترة الإعتقال ، و قد إستوعبت هذه الأحداث (١٤٤) صفحة من الكتاب مِن صفحة : (١٦-١٥٩)
القسم الثاني : فترة السجن :
إستمرت هذه الفترة ٨ سنوات و ٦ أشهر و ٣ أيّام ، قضاها الكاتب بأكملها في سجن أبو غريب ، قسم الأحكام الخاصة المغلقة ، و قد وثق أحداثها في (٢٠ ) نص و أستوعبت ١٣٧ صفحة من الكتاب من صفحة (١٦٠-٢٩٦)
سعى الكاتب في هذه الوثيقة التأريخية المهمة أن يدون أحداث مرحلة من مراحل الإضطهاد السياسي الذي مارسه النظام البعثي ضد المعتقلين والسجناء اكثر مما تحدث فيها عن نفسه ، إلا بما تقتضيه الضرورة ، كما إنّه تجنّب ذكر أسماء الأماكن و الشخصيات التي تحدّث عنها ، و السبب في ذلك كما يقول الكاتب : ( لأني أريد أن أؤرخ لفعل متواصل الوقوع بدرجات متفاوتة ، لا لفاعل معيّن لعلّه أصبح غباراً أو رماداً ، و أجهد أن لا يبدو الأمر صراعاً سياسياً بين متنافسين على سلطة )ص١٤
غير أن المبرر -حسب ما أعتقد- لايبدو كافيا ، ولو ذكر الكاتب أسماء الشخصيات البارزة في القصة ، لأكسبها عنصر جذب أكبر ، وميزة أتم ، وفي كل الأحوال لقد قدّم الباحث بحق وثيقة تأريخية في غاية الأهمية و الضرورة ، لأنها دونت أحداث القسم المغلق من الأحكام الخاصة و الذي يعتبر من أكثر أماكن السجون في العراق قسوة و إضطهاداً و إنتهاكاً لحقوق الإنسان، و لم يحظَ بالتوثيق الاّ من قبل عدد قليل من سجناء هذا القسم منهم :
١- قصة معتقل عراقي / للأستاذ مهدي عبدالله شمخي .
٢-الهروب الى الحرية / للأستاذ الدكتور حسين الشهرستاني
٣- ليالي ابو غريب / للاستاذ سامي الساعدي
4- مزامير ، للاستاذ مهدي عبدالله شمخي
5- خمسُ دقائق من فضلك ، للاستاذ سلوان محمد جواد
6- على بوابة النزع الاخير ، للاستاذ السيد عبدالهادي الحكيم
7- في سجون الطاغية / لسماحة السيد رياض الحكيم
8- مذكرات سجين (ايام وليال في بغداد ، للاستاذ السيد سلام الشديدي
10- سنوات المحنة والعذاب ، للدكتور عبدالكريم جبار العبادي
11- ما زلتُ اذكر ، للدكتور خلف عبد الصمد
12- القضبان لا تصنع سجناً ، للاستاذ جبار ال مهودر
ومع ذلك لا يزال الموضوع خصبا ، ولم يكتمل توثيق جميع أحداثه
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)