احمد لعيبي
كنت عائدآ من مدرستي الإبتدائية في اول سنة صيام لي حيث شعور غريب في منتصف الثمانينات من القرن الماضي متلهفآ للماء وللطعام الذي كان متشابهآ في اغلب الأيام ..
دخلت البيت وكان جو الصمت والحزن مخيمآ على الجميع فأمي تخبز دون أن تتكلم وهذا ليس من طبيعتها وجدتي كانت قد انهت تنظيف سمكات صغيرات وتتساقط من عيونها حبات دمع جنوبي غزير جدآ مثل غزارة دماء الجنوبين في ارض الوطن..
اقتربت من امي وهمست بأذنها (لماذا جدتي تبكي)
فلم ترد علي وادارت وجهها عني...
سمعت صوت بكاء أم لعيبي يعلو مثل صوت أمهات الشهداء ايام ليال الزفاف والاعراس...
دنوت منها وقبلت اصبع قدمها الكبير الذي كان مجروحآ واردت ان اعرف سبب بكائها ولكنها قالت لي بلهجة اهل الهور ( يَده احميد اليوم رمضان واني صايمه ومزاعله الله عوفني تره ازاعلك )..
لم افهم عبارة "سكينه" (مزاعله الله)وقلت مع نفسي هل "سكينه" صاحبة الله كي تزعل منه...!!
كانت وجوه عماتي الخمسة مليئة بالحزن وجدتي لا تتكلم وامي أكملت الخبز وذهبت للمطبخ فيما بقيت "سكينه" تخرج النوى من تمرنا اليابس وتطحنه بهاون بيدها وتضع عليه السمسم..!!
صرخت"سكينه" جدتي صرخة كادت أن تخترق عنان السماء وقصت لي ما سبب حزنها ونطقت "سكينه" (جدك مشتهي سمجه جبيرة ووكفت يم ابو السمج وعنده سمجه وحده والباقي بس ذني الزوريات واشتريتها منها واجه ابو (**)وهو جارنا البعثي وقال لي أنتم ناس معدان وفقرة شلكم بالسمجه الجبيرة أم لعيبي اخذي الزوريات وعوفي السمجة...وأخذ السمجه وهضمني هضيمه جبيرة واني جبت الزوريات واجيت بس كلبي مزروف يحُميد )!!
أكملت "سكينة" حديثها ونحن غارقون بالحزن والدمع..
يالله في شهرك المعظم ويجرحون سكينتك التي زاعلتك لأنها لا تجد غيرك في بلد الحديد والنار والرفاق..!!
قبل الإفطار بساعة كنا نجلس جميعا في باحة الدار ودخلت علينا قطة بعد ان دفعت الباب وكانت تحمل بفمها سمكة كبيرة رمتها وهربت..
اقسمت جدتي يومها انها نفس السمكة التي اخذها ذلك البعثي..
يومها بكينا جميعا ولم نفطر ومدت "سكينة" التي لا تقرأ ولا تكتب يدها إلى الله وشكرته بعد أن كانت قد زعلت منه...!!
اليوم تمر الذكرى الخامسة عشر لرحيل
جدتي "سكينه"
اتمنى ان لا تنسوها من الفاتحة و فاضل دعواتكم..
ـــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha