المقالات

مقترحات استراتيجية للعراق ما بعد كورونا  


أ.د. محسن القزويني/ أستاذ جامعي

 

بدأ العراق يتعافى شيئا فشيئا من فيروس كورونا بعد أن انخفضت معدلات الإصابة بالوباء إلى أرقام تبعث بالسرور في نفوس العراقيين.

وأخذت حكومة تصريف الأعمال بدراسة رفع الحظر الجزئي والاعلان عن خلو العراق من هذا الفيروس وبعودة الحياة إلى طبيعتها في غضون الأسابيع القادمة.

ويعتبر هذا النجاح في دحر هذه الجائحة نصراً مؤزراً للشعب العراقي والطواقم الطبية والمرجعية الدينية والدولة العراقية، تحقق من خلال هذا التكاتف والتحالف الرباعي وشكل نجاحاً كبيراً للتجربة العراقية مع هذا الفيروس الفتاك وفي نهاية المطاف كان على الحكومة العراقية أن تأخذ الدروس والعبر من هذه التجربة.

أول هذه الدروس دور المرجعية في صنع القرار العراقي، فلولا المرجعية لما تفاعل الشعب تفاعلاً شرعياً مع اجراءات خلية الأزمة سواء في العزل المنزلي أو الحظر المجتمعي.

لقد تلقى الشعب قرارات الخلية وتعليمات وزارة الصحة العراقية كتلقيه لأي أمر شرعي واعتبر كل ما يصدر من قرارات وتعليمات واجبة الاتباع كالصلاة والصوم لأن وراء كل ذلك فتاوى المراجع.

فيجب أن يكون الحضور المرجعي ملموساً في كل خطوة تخطوها الحكومة العراقية سواء في الحاضر أو المستقبل.

الدرس الثاني الذي أخذته الحكومة من تجربة كورونا دور الشعب الفاعل في مواجهة هذه المحنة. فأبناء الشعب بتراحمهم وتعاونهم وتكاتفهم الذي لا نظير له أحبط تفشي الفيروس القاتل في مساحات أكبر، وكان عاملاً اساسياً في التغلب عليه وضرب أروع الصور لشعب تحول إلى كتلة واحدة وصف واحد متراصٍّ، فكان على الحكومة أن تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار وأن تسمع إلى صوته عندما يتكلم، وأن تحس بألمه عندما يتألم.

فالشعب العراقي قوة لا يستهان بها ولابد من مشاركته في كل خطوة تخطوها الحكومة نحو النهوض والاستقرار.

فلا استقرار بدون هذا الشعب

ولا ازدهار بدون هذا الشعب.

لقد اهملت الحكومات السابقة هذا الشعب ولن تعر أهمية إلى صوته وحاجاته وقد شاهدنا كيف اندحرت واندثرت ولم يبق لها إلا لعنة التاريخ.

الدرس الثالث الذي يجب على الدولة الاستفادة منه هو: لابد من اصلاح النظام الصحي في العراق ليصبح قادراً على مواجهة التحديات الكبيرة.

فالنظام الصحي في العراق نظام متعثر عاجز عن مواجهة هذه التحديات، وإذا امعننا النظر إلى التقرير الذي أعلن عنه وزير الصحة السابق الدكتور علاء الدين علوان عن الوضع الصحي في العراق والذي أطلقه في أيار من عام 2019 سنعرف حجم النواقص والثغرات في هذا النظام.

فقد أشار التقرير إلى اهمال الحكومة للقطاع الصحي من خلال الموازنة السنوية حيث لا يتعدى الانفاق الحكومي على الصحة 2.5% بينما يصل هذا الانفاق على الأمن 18%، وقد شاهدنا ان فيروس كورونا ليس بأقل خطورة من داعش في الفتك بالبشرية فكان لابد من اهتمام واسع من قبل الحكومة بتخصيص ما هو اكثر من 6 ترليون دينار عراقي وذلك بزيادة في المراكز الصحية الرئيسية والفرعية فالعراق اليوم بحاجة إلى 3000 مركزا صحيا بالإضافة إلى ما هو موجود والبالغ عدده 2765 مركزا صحياً (1336) مركز رئيسي و (1429) مركز فرعي تتوزع هذه المراكز على جميع مناطق العراق الحضرية والريفية فيصبح لكل فرد عراقي ملف في هذه المراكز ويعمل ضمنها طبيب للأسرة يتابع المسار الصحي للافراد الذين يعيشون ضمن نطاق المركز.

كما لابد من زيادة اعداد المستشفيات البالغ عددها حالياً 281 مستشفى وهي تشكل 0.07 لكل مائة الف عراقي وذلك بالإسراع في بناء المستشفيات المتلكئة، ووضع خطة لسد النقص القائم في عدد المستشفيات وحسب التوزيع الجغرافي.

كما لابد من أعادة النظر في عدد الأطباء الذين يبلغون حالياً 0.83 لكل ألف نسمة بينما يبلغ العدد في أردن 2.3 لكل ألف نسمة.

كذلك لابد من زيادة في عدد الممرضات والبالغ في العراق 2.1 لكل الف بينما يصل العدد في الأردن 3.2 وفي لبنان 3.7 لكل الف مواطن.

لقد شهد قطاع الأطباء اهمالا كبيراً وتعرضوا إلى القتل والاعتداء مما دفع بالكثير منهم إلى الهرب فمن مجموع 52 ألف طبيب مسجل في نقابة الأطباء فر 20 ألف خارج العراق، وكان أول احتجاج انطلق في العراق هو احتجاج الأطباء إذ عمت مظاهراتهم في سبتمبر من عام 2019 أرجاء البلد مطالبين بتحسين أحوالهم المعيشية وتوفير الحماية الكاملة لهم من الاغتيالات والاعتداءات.

ولعل أوضح مظهر من مظاهر عجز النظام الصحي في العراق هو تفضيل الفرد العراقي للدول المجاورة كإيران ولبنان وتركيا والهند في أخذ العلاج مما أدى إلى زيادة الفقر والفاقة إذ ان هناك الآلاف من العراقيين الذين صرفوا كل ما لديهم من أجل العلاج في تلك الدول، فمثلاً ما أنفقه العراقيون على علاجاتهم في الهند بلغ 500 مليون دولار ولو اضفنا إلى ذلك بقية الدول لارتفع معدل الانفاق على الصحة أرقاماً مرعبة، فقد بلغ ما يتحمله الشعب العراقي من الانفاق على الصحة 70% بينما حددت منظمة الصحة العالمية حجم ما تتحمله الحكومات على الصحة 70% والبقية على المواطنين لكن في العراق تجري الأمور عكسياً فمجموع ما تتحمله الحكومة من انفاق على صحة الفرد العراقي لا يزيد عن 150 دولار بينما نجد في اردن المبلغ يصل إلى 257 دولار و في إيران 366 دولار لذا يجب على الحكومة أن تضع استراتيجية متكاملة لضمان نظام صحي متكامل كما هو موجود اليوم في الدول المتقدمة من تأمين صحي لكل فرد عراقي وتطبيق نظام طبيب الأسرة وذلك لسد النواقص التي ذكرناها والتي أشار إليها وزير الصحة السابق في تقريره وهذا يعني باختصار إعطاء الأولوية للصحة كما تعطى للأمن.

أي زيادة في حجم الانفاق على الصحة بمعدل مساوي للانفاق على القوات المسلحة لأن معركة العراق ليست فقط مع داعش بل مع المرض والاوبئة أيضاً.

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك