منهل عبد الأمير المرشدي
ليلة الأمس وبعد صلاة الفجر ألقيت جسدي المنهك على فراشي لأغفوا وأنام نوما عميقا لم أنعم بمثله منذ سنين .
لقد زارني أبي وفي محياه ابتسامة هزيلة ولم يقل لي سوى كلمة واحدة كان دائما ما يرددها معي في حياته حتى وهو على فراش المرض في أيامه الأخيرة قبل وفاته.
(عمت عيني عليك ياعراق ضل بيد الحراميه) . كنت أختلف معه في هذا الرأي واحاول إقناعه إن هناك خير في كل شر ونهار بعد كل ليل ولا يجوز ان نسقّط الجميع ونلعن الجميع ونيأس من الجميع فلابد ان يكون هناك شريفا وسط الفاسدين وبريئا بين المجرمين وشجاعا مختفيا بين الجبناء لكنهم لم يجدوا فرصتهم بعد.
كان أبي رحمة الله عليه يتركني اتحدث واشرح و(اتفلسف) كا يقول هو لي مازحا وأحلل له ما افهم وارى من الوضع السياسي في العراق . يتركني حتى اسكت فيبتسم ويقول لي ( عمت عيني عليك يا عراق ضل بيد الحراميه ) .
ليلة الأمس زارني أبي الذي أشتقت اليه كثيرا واتمنى لو ألتقيته لأعتذر منه كثيرا وأمرغ وجهي بين اقدامه واقبل انامله وارتوي من نسيم دفئ الأبوة وفضاء عقله الواسع بحرقته وعصبيته وموقفه الثابت من حرامية اليوم واخبره أن عقله اكبر من عقلي كثيرا ورؤياه ابعد واوسع مما ارى كثيرا وعلمه ارقى وانبل مما اعلم واني كنت حين اخالفه الرأي في ما يقول عن العراق إنما كنت قاصرا جاهلا غبيا قصير النظر لا أفهم ما يفهم أبي ولا أدرك ما يدرك ولا ارى ما يرى .
نعم أبي عذرا والف عذر فقد حصحص الحق يا ابي وسيدي وتاج رأسي وتيقنت بتمام اليقين انما كنت تقوله لي هو الحق وهو الصحيح فحاضر العراق ومستقبله وتأريخه أمسى بين ايدي الحرامية وأي حرامية .. وحوش ضواري وجهل وهمج رعاع وخيانة وعمالة ونذالة . نعم الشرفاء موجودن لكنهم قلة لا تستطيع ان تفعل شيئا لهؤلاء ( الحراميه ) .
ها هم اليوم وفي ظل هذا الوباء والفقر والعوز الذي يضرب اغلب ابناء العراق يساومون ويتساومون ويفاوضون ويتفاوضون لأجل اقناع سارق عميل في الشمال كالبره زاني ومجرم مدان في الغربية وهم كثير كي ( تمشي الأمور ) ويبقون في مواقعهم يسرقون ويسرقون ويسرقون . تبا لهم أبي وسيدي وقرة عيني . أبي ماذا اقول لك فقد كنت الباب الكبير الذي ظاهره القسوة ولكن باطنه الرحمة والمودة والحب والحنان والطمأنينة. احتاجك وانا الان غريبا في وطني وحيدا في وطني مهموما واشعر برغبة جامحة في الانكفاء لتقبيل يديك وقدميك. اشتقت إلى سماع صوتك و نغمة صراخك تطرب أذني .
لماذا لم أوافقك الرأي يا أبي وكيف عميت عيناي عنه ولكن وبكل تأكيد يا سيدي انك ترى ما لا ارى فانت الكبييير في كل شيء وانا بحضرتك الصغييير في كل شيء . عذرا ابي ايها العطاء بلا مقابل والحنان بلا حدود و الإجابة بلا سؤال والنصيحة بلا استشارة .
نعم أبي فها هو العراق تنهش فيه انياب المنافقين من ( الحرامية ) الأسلاميين والمتأسلمين والعلمانين والمتعلمنين والمدنيين والمستمدنين وقد كنت متفضلا يا أبي بزيارتك لي ليلة الأمس وحين قلتها لي تذكرت وتيقنت أن بغيابك عنّا يا أبي غاب العقل الرشيد والركن الشديد والسند المتين والناصح الأمين.
يا صاحب النفس الكريمة انت حي في قلبي وروحي ووجداني فلم تموت ولن تموت ركنا من اركان صلاتي في دعائي وركوعي في سجودي في صدقتي وفي كل عمل أتقرب به إلى الله . نعم أبي عمت عيني على العراق ضل بيد الحراميه .
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)