الدكتور جواد الهنداوي*
لاعبان أساسيان يتقاسمان او يتنافسان الأدوار في التأثير على المشهد السياسي و الأمني العراقي وهما امريكا و ايران ، وكلاهما خاضا حروباً مع العراق ، و كلاهما و الضحيّة( العراق ) تكبدوا خسائر في الأرواح و الثروات .
ايران والعراق يتشاطران حدود طويلة وعريضة بأكثر من ١٤٥٠ كيلومتر ، برية و مائية ، و ايران ،في استراتيجيتها تعتبر العراق جزء من أمنها القومي ، وهذا ما يفسّرُ نفوذها و دورها في العراق ، و تدخلها و مساعدتها العراق في محاربة الإرهاب و داعش .
امريكا ، ورغم احتلالها العراق و قواعدها العسكرية وتدخلها و نفوذها فيه ،فهو ( ايّ العراق ) ليس جزءاً من أمنها القومي و الاستراتيجي . جغرافية الامن القومي الامريكي في المنطقة ( الشرق الاوسط ) تتمثل ،ليس في العراق ، وانما في اسرائيل و دول الخليج .
العراق بالنسبة لأمريكا هو الساحة الخلفية لجغرافية الامن القومي الامريكي في المنطقة ، بعبارة أخرى ،امريكا تنظر للعراق و تتعامل مع العراق على ضوء المصلحة الاسرائيلية وعلى ضوء المصلحة الخليجية باعتبار هذه المصالح هي جزء من مصلحة الامن القومي الامريكي .
تصريح الرئيس ترامب الأخير ، والذي يصف فيه الاحتلال الامريكي للعراق بالخطأ الكبير والجسيم ، يعّبر بصراحة عن ثانويّة المصلحة الامريكية في العراق .
لم يترددوا رؤساء امريكا السابقين، والرئيس الحالي ، بالتصريح بأنَّ سياستهم في العراق هو لاحتواء ايران و الحد من نفوذها ، ولضمان امن حلفاءها في المنطقة .
ايران تعمل باستراتيجية ثابتة و واضحة و صريحة تجاه العراق و المنطقة : استراتيجية ثابتة بمعنى غير قابلة للتغيير بتغيّر رئيس الجمهورية ،على خلاف ماهو
سائد و معمول به في امريكا ، استراتيجية واضحة بمعنى لا يكتنفها الغموض وغير قابلة للتأويل ، و استراتيجية صريحة بمعنى خالية من الخداع والتضليل والسّرية في أهدافها .
الايرانييون يصرحون علناً بالدفاع عن نفوذهم في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا ولبنان وغيرهم .
التفاوت الكبير بين استراتيجية ايران تجاه العراق وسياسة امريكا تجاه العراق يفرز تداعيات و نتائج غير محمودة على العراق .
ماهي إذاً تلك التداعيات ؟
امريكا لا تعرف كيف تكسب او كيف تربح العراق ، وفشلت في كسب الرهان على العراق ، و مستعدة الآن للخروج منه سياسياً و ليس فقط عسكرياً ، وقد تكون حكومة السيد الكاظمي آخر المحطة في مسارها في العراق .
نتمنى ان تدرك امريكا المُعادلة التالية و أنْ لا تُحّمل رئيس الوزراء ما لا في وسعهِ : في حكم و إدارة العراق لا يكفي الاعتماد على شخص رئيس الوزراء وانماّ ايضاً على واقع وما مُصاب به العراق : وباء الفساد و فوضوية مساره الديمقراطي ، ومناعة النظام السياسي تجاه البناء والتطور . رضيت امريكا بمجئ السيد عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء واستبشرت بقدومه الخير ، حتى ان السيد ماكغورك ،ممثل الرئيس الامريكي لقوات التحالف الدولي في العراق ، اشادَ بكفاءة و بخبرة ثلة من وزراء السيد عبد المهدي .
ولكن حينما فرض واقع العراق على السيد عبد المهدي ( رئيس الوزراء السابق ) ، تبنيه مساراً ازعجَ اسرائيل ولم يزعج ايران ، خسرَ الرجل رضا امريكا و رضخَ و استقال ،بينما الاحتجاجات الشعبية لم تكْ ضده فحسبْ وانما ضّدَ النظام السياسي وضّدَ مجلس النواب ،ايّ ضّدَ السلطتيّن التشريعية و التنفيذية .
ليس فتح المعبر الحدودي مع سوريا ، و لا الاتفاق الاقتصادي الصيني العراقي ، و لا اتهامه لاسراييل بقصف وحدات عسكرية عراقية ، هي وحدها اسباب الغضبْ الامريكي تجاهه ، وانما السبب الأساسي هو انه ( واقصد السيد عبد المهدي ) لم يقمْ بما فيه الكفاية لإزعاج ايران او العمل لتقليص نفوذها ( وهو أمرٌ عجزت عنه امريكا ذاتها ) او الانفتاح نحو التطبيع مع اسرائيل . !
السؤال هو هل ستستمر امريكا بأملها و بحلمها مِنْ ان يكون عهد السيد الكاظمي مناسبة لما ترجوه ، وما لا تستطيع هي من تحقيقه ، الأ وهو تقليص نفوذ ايران و انخراط العراق في صفقة القرن و حّل الحشد الشعبي ؟
نأملُ ان تغتنم امريكا فرصة وجود السيد الكاظمي حُجّة لجعل سياستها تجاه العراق والمنطقة عقلانية و واقعية وتساهم في أمنه و استقراره و امن واستقرار المنطقة ، و تساهم في تطويره اقتصادياً .
كتبت صحيفة ويل ستريت الصادرة في ٢٠٢٠/٥/٧ ، من انَّ سبب إقدام امريكا على سحب بطاريات باتريوت وبعض طائراتها من المملكة العربية السعودية هو انَّ ايران لم تعدْ تشكّل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة .
في صحة هذا الخبر أملاً كبيراً في خفض التصعيد في المنطقة و جرّها نحو السلام و الاستقرار ، أمرٌ ، إنْ تحققْ ، سيكون من مُسببات نجاح الكاظمي في مهامه وعمله ، و قدْ تعزّزَ هذا الرأي ( ايران لم تعدْ تشكّل تهديداً لمصالح امريكا في المنطقة ) بقرار أمريكي يسمح للعراق بالاستمرار باستيراد الوقود لاستهلاك الكهرباء من ايران ولمدة أربعة شهور بدلاً من شهر واحد .
*سفير سابق . رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات .بروكسل
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)