د.احمد الميالي/استاذ العلوم السياسية جامعة بغداد ||
تعكس حيثيات نيل حكومة الكاظمي الثقة عدة دلالات ومؤشرات نوجز منها الاتي :
١- ان اختيار الكاظمي والتصويت لحكومته جاء نتيجة الاحتجاجات العراقية الضاغطة ولم تكن نتاج الطبقة السياسية، وهذا سيرسخ عُرفا سياسيا قد يتحول الى واقع دستوري مستقبلاً حول اختيار شخصية غير حزبية لاتمثل هذه الطبقة بالمعنى الدقيق ولم تقفز من العمل السياسي وافرازات الواقع الانتخابي الى السلطة، انما سيكون وفقاً لخيارات الشارع والمواطن الذي سيصبح هو الدعامة المفصلية في صدارة المشهد السياسي وليس الاحزاب وقادتها فقط، وسيكون له دور فاعل في السياسة وليس مغيب ومهمش كما تريد القوى السياسية، لان الاحتجاجات لن تنتهي وقد تستمر، وهذا ايضا سيثبت مبدأ التداول السلمي للسلطة بشكل اوسع من السابق .ولن يكون هنالك رمز سياسي ولا كاريزما قيادية في ضوء الوصول لهذا المنصب طالما ان الغطاء السياسي والحزبي لن يكون هو المحرك والداعم لمن يصل الى رئاسة مجلس الوزراء.
٢- ان هذه الحكومة مُررت وفقا لمعيار التوافق الوطني بالحد الادنى وليس وفقا لمعيار التوافق الطائفي ومعيار الاستحقاق الانتخابي ، فكانت اقرب الى حكومة اغلبية ، منها الى حكومة شراكة سياسية، كما انها افرزت تيار معارض لها، تحفظ وامتنع عن منح الثقة للحكومة ، والمعترضون على هذه الحكومة معظمهم من دعاة مشروع الاغلبية ...ولهذا من الصعب ان يلجأون الى المطالبة بالتوافق الحزبي والاجماع والشراكة في حين هم تبنوا سنوات طويلة ضرورة اللجوء لحكومة الاغلبية السياسية المتحصلة داخل مجلس النواب.
٣-كشفت جلسة منح الثقة للحكومة الوزن الحقيقي للنفوذ السياسي للكِتل السياسية وبغض النظر عن المعيار العددي فان حضور قرابة ٢٧٠ نائب والتصويت ل١٥ وزارة ورفض ٥ وزراء يعد متغير جديد لمتبنيات الكتل السياسية في العراق. وهذا يعني ان النواة الصلبة ومن يدعمها و التي كانت تتحكم بمفاصل العملية السياسية لم تعد كذلك، ولم يعد هنالك عراب لكتلة او تحالف اكبر ، وخاصة فيما يتعلق بالمكون السياسي الشيعي خاصة بعد فشل محاولة اسقاط نيل الثقة للحكومة او دفع الكاظمي للاعتذار، وانسحاب هذا الطرف من جلسة منح الثقة.
٤- لم يتم استيزار اي وزير او نائب سابق او احد قيادات الاحزاب والكِتل السياسية ومعظم الوزراء اختصاصيين ومستقلين ومن رحم الوزارات التي استوزروها ، وهذه اول مرة تحصل بعد عام ٢٠٠٣. وتقع ضمن مطالب المحتجين والمرجعية الدينية، وايضا قد يكون هذا عرفاً سياسيا في طبيعة تشكيلة الحكومات اللاحقة في العراق، خاصة اذا مانجحت في اداءها الانجازي ومهامها المحددة لهذه المرحلة.
٥- اول مرة منذ عام ٢٠٠٦ يتم التصويت على مرشحي الوزارات الامنية من اول جلسة لمنح الثقة في حين تم تأجيل وزارتي النفط والخارجية وهذا متغير يعكس طبيعة التحولات السياسية والاقتصادية والامنية من حيث الاولوية والاهمية
لمقاربة الاحزاب المؤيدة للحكومة للوضع العام حول استحقاقات المرحلة والمصالح المتحصلة، في حين القوى الاساسية المعارضة للحكومة الجديدة كانت تتمسك بالمقاربة الامنية واهمية هذا الملف كمعيار لادارة الدولة، مما عكس خلافات قوية حول هذه الوزارات. وهذا مؤشر ايجابي في مغادرة هذه المقاربة التي لن ولم تنتج سوى عسكرة المجتمع وتعبأته بهواجس الخوف من الاخر، واحلال نظرية المؤامرة والانقلابات في الوصول والحصول على السلطة.
٦- لا يمكن القول ان هذه الحكومة غادرت نسق المحاصصة الطائفية او القومية بشكل مطلق لكن شهدت هذه الحكومة ، قيادات من مكون تسند وزارة لشخصية من مكون اخر ، وهذا ماحصل في ترشيح رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي للسيد عدنان درجال لوزارة الشباب والرياضة، وهذا مؤشر له دلالات وطنية مهمة تضع السُلمة الاولى في طريق مغادرة هذه المحاصصة، كما ان ترشيح السيد علي عبد الامير علاوي لوزارة المالية وهو شخصية مشهود لها بالمهنية والنزاهة والاستقلالية وهي اهم وزارة في هذه المرحلة الحرجة تعكس ايضا دلالات قناعة المكونات بضرورة ابعاد بعض الوزرات من شبح المحاصصة وتسنيم الكفوئين لها، وهذا مقترب وطني مهم يعطي انطباعات ايجابية كبيرة لهذه الحكومة وللقوى السياسية التي انتجتها ويمكن ان تكون بداية لحظة اصلاحية قد تستمر في الواقع السياسي العراقي.
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha