إعداد: محمد الجاسم ||
" تَعَلَّموا العربيَّةَ..وعَلِّمُوها الناسَ " ـ حديثٌ شريف
تزخرُلغتُنا العربيةُ المعاصرة بكمٍّ هائلٍ من كلماتٍ دخيلةٍ أو مغلوطةٍ أو محرَّفةٍ ،وبمرورِ الزمنِ والتداولِ اليوميِّ على الألسنِ وفي الكتب الرسمية والمخاطبات العامة ووسائل الإعلام والصِّحافة والرسائل الجامعية ومنجزات المبدعين الأدبية ويافطات أسماء الدوائر والمحالّ التجارية وعيادات الأطباء وغيرها،قد تسللت إلى لغتنا خلسة، حتى أصبحت من فرط تناقلها واستخدامها شائعةً ومقبولةً لدى القارئ والسامع ،ورسخت في الأذهان وانطلت على المتداولين إلا لذوي التخصص،فأمست المقاصد ضائعة في خضم الأغلاط الشائعة..
لذلك أعددت لكم أحبتي ـ لمناسبة شهر رمضان المبارك ـ ثلاثين حلقة من سلسلة تصويباتٍ منتخبة،إستكمالاً لعمودي اللغوي الذي واظبت على تحريره مدةً من الزمن في صحيفة(المصور العربي) التي أصدرَتْها جمعيةُ المصورين العراقيين في بغداد أواسطَ ونهايةَ التسعينات من القرن العشرين تحت عنوان (إضاءة في التراث).
(21)
ـ يتوجَّبُ علينا فعلُ الخيرات..!
هذه عبارة تتردَّدُ بيننا كثيراً وهي لاتمتلكُ من الفصاحةِ شيئاً..الصحيح قولنا( يَجِبُ علينا فعلُ الخيرات).
ورد في لسان العرب: " وَجَبَ الشيءُ يَجِبُ وُجوباً إِذا ثَبَتَ، ولزِمَ."..أما الفعلُ(يَتَوَجَّبُ) فيعني ـ من بين ما يعنيه: "تَوَجَّب فلانٌ: أكلَ في اليومِ والليلةِ أكلةً واحدةً".. والوجبة هي الأكلة الواحدة..كما جاء في (المُعجَمِ الوسيط).
ـ ما الفَرْقُ بينَ المَهُولِ و الهائِلِ..؟
يقولون في الإعلامِ:(كانَ حادثاً مهولاً)،وهذا لَحْنٌ..الصحيح أن يقالَ: (كانَ حادثاً هائلاً).فالفعلُ الثلاثيُّ المجرَّدُ(هالَ)يعني،من بين مايعني،(صبَّ..وأفرغَ)نقول(هالَ عليه الرملَ أو الترابَ) فالهائِلُ(إسمُ فاعلٍ)هو من هالَ الترابَ..والمَهُول (إسمُ مفعولٍ)هو الترابُ أو الرملُ.ولكنَّ مثالَنا الإعلاميَّ يعني بالفعل (هالَ) أفْزَعَ..وأخافَ..وهنا يكونُ الحادثُ المُفْزِعُ (هائِلاً)والإنسانُ الذي يقعُ عليهِ الخبرُ بالفَزَعِ والخوفِ (مهولاً)..
ـ وقعَ في المعركةِ رجُلٌ جريحٌ وامرأةٌ جَريحٌ..!
(جريحٌ)صفةٌ مشبّهةٌ بإسمِ الفاعل،وزنها(فَعيلٌ)و تنوب عن (فاعل )في الدلالة على معناه في صيغ المشبهة باسم الفاعل،فنقولَ:(هذا رجلٌ نبيلٌ وكريمٌ)وأصلُها(نابلٌ)و(كارِمٌ)و(المرأةُ نبيلةٌ وكريمةٌ) بمعنى(نابِلَةٌ وكارِمَة).أمَا إذا نابتْ صيغةُ(فعيل)عن(مفعول)مثل(جريح)،نقولُ:(وقعَ في المعركةِ رجُلٌ جريحٌ وامرأةٌ جَريحٌ) فنابَ (جريح) عن (مجروح).وهذه الصيغةُ عندما تكونُ صفةً لموصوف مذكور بمعنى (مفعول ) فيستويَ فيها المذكر والمؤنث بوجود الموصوف(رجلٌ..و..إمرأةٌ) .أماإذا لم يكُنْ الموصوفُ موجوداً ، فيلحقُ بالمؤنث تاءُ التأنيث المربوطةُ لنقولَ:( وقعَ في المعركةِ جريحٌ و جَريحَةٌ).
ـ قال مصدرٌ مسؤول أنَّ رئيس الوزراءِ أوعزَ بكذا..!
هذه عبارةٌ تتكرَّرُ في الإعلامِ بوجود (أنَّ)هكذا مفتوحة الهمزة..وهذا غيرُ جائز..يجب أن تكونَ (إنَّ)بكسر الهمزة،وهذا واجبٌ بعد أفعال القول،كقولِهِ تعالى:" قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا" مريم ـ 30.
ورُبَّ قول..أنفذُ مِنْ صَوْل
(22)
التفاصيلُ آنفةُ الذكر..!!
نستخدمُ أحياناً في الخطابِ عبارةَ (التفاصيل آنفة الذكر)،وهذه العبارةُ ملحونةٌ مغلوطة..الصحيحُ أن نقولَ:( التفاصيلُ المذكورةُ آنفاً)لأنَّ (آنفاً) في كلامِ العربِ هي مفعولٌ فيه ظرفُ زمان،وأصلُها الفعلُ الماضي المجردُ الثلاثي (أَنِفَ)الذي منه(أَنِفَ الْمُسافِرُ) ،أي سافَرَ أَوَّلَ النَّهارِ أَو أَوَّلَ اللَّيْلِ ،ولم يُشْتَقّ من فِعل (أَنِفَ) الذي يعني ترض وتَنَزَّه (واسم الفاعل منه آنِف)،فلا (تفاصيلُ آنفةُ الذكرِ)بل(التفاصيل المذكورة آنفاً )أي قبلاً..أو سبقَ ذكرُها. قال تعالى:"وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ " محمد ـ 16.
ـ جمادي الأول..وجمادي الثاني..!
طالعتُ في الكثير من الكتاباتِ في التداولِ اليوميِّ حولَ الشهرَيْنِ الخامسِ والسادسِ من الأشهرِ القمرية يذكرُهما كتَّابُها هكذا (جَمادي الأول..وجَمادي الثاني)،وهذا غلطٌ واضح.. لأنَّ (جُمادى)مؤَنَّثٌ،وهُما (جُمادَيان) وجَمْعُهُ (جُمَادَيَات)،قال الفراء:"كلُّ الشهورِ مذكَّرَةٌ إلّا جُمادَيين"، فنقولَ (جُمادى الأولى)، ونقولَ (جُمادى الآخرةُ)، إذ ليسَ ثَمَّةَ جُمادى ثانيةٌ وثالثةٌ.
ـ أمّهاتٌ .وأُمّات..!
(أمَّهَات) : جمعُ مؤنثٍ سالمٌ لِمَن يعقل،والأصل المفرد(أُمَّهَةٌ) ،نُسِبَ في(لسان العرب) الى أحدٍ قولَهُ: "أُمَّهَتي خِنْدِف والياسُ أَبي"،والأُمَّهاتُ للناس والأُمَّهاتُ للبهائم .أما (أُمّات) : جمع مؤنث لِمَنْ لا يعقل فقط ،ولذلك يقالُ (نظرت في أُمَّات الكتب) بَدَلَ (أُمَّهات الكتب) ،مفردُها (أُمٌّ)،وأُمُّ الشي: أصلُهُ. ويقالُ لمَكَّةَ: (أُمُّ القُرى)، والأُمُّ: الوالدةُ، والجمع أُمَّاتٌ وأمَّهات. قالَ تعالى:" النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ "الأحزاب ـ 6.
ـ دَهَسَتْهُ سيارةٌ..!
لم أجدْ في معاجم اللغة مايقارب معنى أن تصدمَ سيارةٌ أحداً ليقالَ(دَهَسَتْهُ سيارةٌ)،لكنَّ شِدَّةُ الَوطْءِ والدَّوْسِ يُقَال لها (دَعْس) ، "دَعَسَتِ الإِبلُ الطَّرِيقَ تَدْعَسُه دَعْساً إِذا وَطِئَتْه وَطْأً شَدِيداً"،كما وردَ في تاجٍ العروس..دَعَسَتْهُ سيّارة..أفصح من (دَهَسَتْهُ).وثمَّةً معانٍ أخرى للفعلِ(دَعَسَ) ليس هنا مجالُها.
ورُبَّ قول..أنفذُ مِنْ صَوْل
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)