المقالات

"خطوط حمر"  


علي علي ||

 

 "الخطوط الحمر".. مصطلح استجد في قاموس العراقيين في سني الديمقراطية "المنفلتة" بعد عام 2003، بعدما كانت الخطوط كلها حمرا بل سودا أمامهم في سني الدكتاتورية، وقطعا هذا ينافي مفهوم بعض الحريات كحرية التعبير عن الرأي، وحرية الاعتقاد وحريات أخرى ليس للعراقيين فيها نصيب لا في الديمقراطية ولا في الدكتاتورية. ولقد باتت عبارة "خط أحمر" اليوم أثقل من عبء القمع والبطش اللذين كنا نرزح تحت نيرهما عقودا خلت، فمن غير المنطقي السكوت في ظرف يستوجب منا النقد او الانتقاد بحق شخص بذريعة أنه "خط أحمر".

 

  أذكر من موروثات أجدادنا أبيات شعر قديمة قالها سهل بن مالك الفزاري في امرأة من قبيلة طي، بعد أن ثوى في حيهم، حين خرجت من خبائها ورأى جمالها وحسنها الذي أبهره، حيث وقف في فناء الدار وأنشد الأبيات التي غدا شطرها الأخير مثلا على ألسنتنا، قاصدا إسماعها مايعنيه، متخوفا من الرقباء، وكيف لايخاف! وهي سيدة قومها. فقال فيها سهل:

ياأخت خير البدو والحضارة

كيف تريـن في فتى فـزارة؟

أصبح يهوى حرة معطـارة

إياك أعني واسمعي ياجارة

   ومعروفة هي القصة عن آخرها، حيث فهمت المرأة المبتغى من كلامه والمقصد من إشارته تلك. وعلى بعد المكان والزمان بيننا في عراق القرن الحادي والعشرين، وبين صاحبنا سهل وفاتنته الطائية، هناك تشابه بين ماقال وما نقول اليوم، والشبه تحديدا ممزوج بالخوف والإحترام والـ (مستحاة). فهو كان يخاف العرف الإجتماعي السائد آنذاك، فيكبح رغبته في البوح بالغزل والتشبيب بامراة، أما نحن فنخشى البوح بما نعاني منه صراحة، من أقول ساسة وأفعال مسؤولين وردود أفعال رجالات وشخصيات، يقال عنها أنها "خط أحمر"..!.

     ففي عراقنا اليوم مامن كبير او صغير، من الذين يمتلكون الهوية العراقية، إلا وكلهم مشتركون بنفس المشاعر والمعاناة، وعليهم نفس الضغوط التي تتعدد مصادرها من أفراد في الحكومة، اوقادة قوائم او كتل، او رجالات من علية القوم، سبق وأن اصطبغت لأجلهم أصابعهم، ورفعتهم الى كراسي التسلط والتحكم بمصائرها. والعراقي بات مرغما على الحديث عنهم بينه وبين نفسه، لصعوبة الحديث معهم، إذ هم أبعد مايكونون عن المواطن قلبا وقالبا، فهم كما يقول مثلنا: (مبيتين المحبس) بعد أن ضمنوا ان الكرسي أصبح (طابو) بكل صلاحياته وامتيازاته. ولم يعد لنا نحن العراقيين من منفذ إلا التلويح والإيماء بالأيادي او الغمز واللمز بالاعين، او تسخير أقلامنا في صياغة مقالات وكتابات ملأت الصحف العراقية، وأخرى هموم ناءت بحملها صناديق الشكاوى، بحق مسؤول او موظف تبوأ منصبا، يمكّنه من التلاعب بمقدرات العراقيين حين يطوي طلبا او حاجة لمواطن في درج من أدراج مكتبه ويتركه الى حيث غبار النسيان.

  لكن الفرق بين شاعرنا (سهل الفزاري) وبيننا، أن فاتنته أجابته ببيتي شعر أشفت بهما غليله و (انطته مراده)، أما المشتكى منهم اليوم فأظنهم يرون في تلك الكتابات والشكاوى، متعة في تكاثرها وتزايدها، وهم يتلذذون برؤيتها تزدحم على مكاتبهم صباح مساء، فطربوا لصيحاتنا التي نطلقها، واستعذبوا مراراتنا التي نعانيها يوميا بسببهم، بل مافتئوا يحثون الخطى في النيل منا مااستطاعوا، وتلحفوا بأغطية تتستر على خطيئاتهم، وتمترسوا خلف ستارات اولها الدين، وثانيها الحصانة، وثالثها الحزب، ورابعها العشيرة، فيما هم ماضون بفساداتهم وموبقاتهم، تاركين حبل الالتفات الى مصلحة البلاد وملايين العباد على غارب اهتماماتهم، مكممين أفواه الرأي العام بيافطة مكتوب عليها: "خط أحمر".

ــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك