إعداد: محمد الجاسم||
" تَعَلَّموا العربيَّةَ..وعَلِّمُوها الناسَ " ـ حديثٌ شريف
تزخرُلغتُنا العربيةُ المعاصرة بكمٍّ هائلٍ من كلماتٍ دخيلةٍ أو مغلوطةٍ أو محرَّفةٍ ،وبمرورِ الزمنِ والتداولِ اليوميِّ على الألسنِ وفي الكتب الرسمية والمخاطبات العامة ووسائل الإعلام والصِّحافة والرسائل الجامعية ومنجزات المبدعين الأدبية ويافطات أسماء الدوائر والمحالّ التجارية وعيادات الأطباء وغيرها،قد تسللت إلى لغتنا خلسة، حتى أصبحت من فرط تناقلها واستخدامها شائعةً ومقبولةً لدى القارئ والسامع ،ورسخت في الأذهان وانطلت على المتداولين إلا لذوي التخصص،فأمست المقاصد ضائعة في خضم الأغلاط الشائعة.
لذلك أعددت لكم أحبتي ـ لمناسبة شهر رمضان المبارك ـ ثلاثين حلقة من سلسلة تصويباتٍ منتخبة،إستكمالاً لعمودي اللغوي الذي واظبت على تحريره مدةً من الزمن في صحيفة(المصور العربي) التي أصدرَتْها جمعيةُ المصورين العراقيين في بغداد أواسطَ ونهايةَ التسعينات من القرن العشرين تحت عنوان (إضاءة في التراث).
(26)
ـ الخُطَّةُ الخُمْسِيَّةُ..!
سمعتُ هذا اللفظَ الغريبَ (الخُمْسِيَّةُ) بضمِّ الخاء من فَمِ وزيرٍ عراقي فاضلٍ،وهذا اللفظُ يعني في الأصلِ النسبةَ الى (الخُمُس).والصحيحُ أن نقولَ (الخُطَّةُ الخَمْسِيَّةُ )بفتحِ الخاء،نسبةً الى الرقم (خَمْسٍ أو خَمسَةٍ)الذي تُعَدُّ بموجبهِ خطةُ الحكومةِ التنمويةُ وإجراءاتُها التي تضعُها لتنفَّذَها في خَمْسِ سنوات.
ـ الغَثُّ والسَّمين..!
مَنْ مِنّا لمْ يسمعْ بكلمتَيْ (الغَثّ)وعكسِها (السَّمين)..؟..ويرادُ بالغَثِّ كلُّ ما هَزُلَ قَدْرُهُ وفقدَ قيمَتَه..وفي هذه الحالِ لاينبغي لنا أن نأتيَ بالسَّمينِ ـ بالسين ـ قبالتَها للمعاكسة..بل الصحيحُ أن نقولَ (الثَّمين) ـ بالثاء ـ ،وهو كل ما كانَ لهُ ثمنٌ مُحْرَزٌ.. فنقولَ (الغَثُّ والثَّمين)..كقولِ أبي العلاء المعري :
" فلَو كنتَ بالدُّرّ الثّمينِ مُعوَّضاً ... من البُرّ، ما لامَتْ عليه اللّوائِمُ "
ـ تأسَّسَتْ مدينةُ بغدادَ في العصرِ العباسي..!
تأسَّسَ : فعلٌ ماضٍ يدلُّ على فعلٍ قائمٍ بنفسهِ..وَزْنُهُ (تَفَعَّلَ) مثل:تَفَرَّسَ،تَعَهَّدَ،تَقَدَّمَ،وهذا لاينسجِمُ مع تأسيسِ مدينةٍ..المدينةُ لاتتأسسُ لوحدِها أو تقومُ على أسُسِها بنفسِها..بل تحتاجُ الى مؤَسِّس(إسم فاعل)..ولذلك علينا أن نقول ( أُسِّسَتْ) والفعل مبنيٌّ لما لمْ يُسَمَّ فاعلُهُ..بدلَ ..تأسَّسَت.
ـ لَعِبَ دوراً ..!
حينَ نَمْدَحُ أحداً بأنه صاحبُ دورٍ في فعلٍ ما ،نقولُ (لَعِبَ دوراً مُتَمَيِّزاً)وهذا مجانبٌ للفصاحة في اللغة،لأنَّ فعلَ (لَعِبَ) لازمٌ لا يتعّدى إلى مفعولٍ به(دوراً)وينطوي على مقصودِ اللهوِ والتسلية..وإذا جاءَ في بعضِ المواضعِ متعدياً فإنَّهُ لايتعدّى بنفسِه..بل يتعدّى بحرفِ الجرِّ الباء..(لَعِبَ بالكُرَةِ)، قال البحتري:
" زَمَنٌ تَلْعَبُ بي أحْداثُهُ ... لَعِبَ النَّكْبَاءِ بالرّمْحِ الخَطِلْ ".
وأقربُ وصفٍ للمفهومِ المُرادِ أن نقولَ :( أدّى دوراً).. بدَلَ .. لَعِبَ دوراً.
(27)
ـ هل "الرفات " مُذَكَّرٌ أم مؤنَّث؟
حينَ نقلتُ رُفاتَ أخي الفنانَ العراقي أحمد الجاسم من برلينَ الى النجفِ الأشرفِ في تشرين أول العام2014 كاتبَني أحدُ اصدقائي الأدباءِ مستفسراً:" لماذا تقول (الرفات الطاهر)ولم تقلْ (الرفات الطاهرة)لأن الرفاتَ مؤنثٌ ؟"..ويبدو أن هذا الإشتباهَ متفَشٍّ في أفهام البعض.فكانَ جوابي كالآتي: ــ
الرُّفاتُ كلُّ ما تَحَطَّمَ وَتَكَسَّرَ وَبَلِيَ، وأصبحَ كالحُطامِ،والفُتاتِ.وهو مذّكَّرٌ وليسَ مؤَنَّثاً..قال أحمد شوقي: " إنْ ضاقَ ظهرُ الأرضِ عنك فَبَطْنُها ... عمّا وراءَكَ من رُفاتٍ أَضْيقِ "
ـ فِكْرٌ رُجْعِيّ..وليسَ رَجْعِيّا.
صفةُ (رَجْعِيّ) ـ بفتح الراء ـ التي تتكررُ في الخطابِ الإعلامي والسياسي مغلوطةٌ..الصحيحُ..( رُجْعِيّ ) ـ بضَمِّ الراء، نسبةً الى (الرُّجْعى)التي هي الرُّجوع. قالَ تعالى:" إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ " العلق ـ 8.
وقال إبنُ شِهاب:" حتى متى الرُّجْعَى إلى الغَفَّارِ ... وإلى متى التَّسْويفُ بالأعذارِ ".
ـ هذا مكانٌ واطِئٌ..وهذهِ سلعَةٌ واطِئَةُ الثَّمَنِ..
اسمُ فاعل من وطَأَ ووطِئَ بقدميه..والمفعول منهما (موطوء)، قال الفرزدق :
" وَهابَكُمُ ذو الضِّغنِ حِينَ وَطِئْتُمُ ... رقابَ الأعادي، وَطْأةَ المُتَثاقِلِ " ولايجوزُ أن نقولَ (مكانٌ واطئٌ) ، بل،(مكانٌ وَطِئٌ)أي خفيضٌ أو مُنْخَفِضٌ. أما (واطِئَةُ الثمن) فليست فصيحةً..لأنَّ (الوَاطِئَةُ) ـ كالسابِلَة : المارَّةُ يَطَؤُونَ الأَرضَ بأقدامِهِم.الصحيحُ أن نقولَ : سلعةٌ( مُنْخَفِضَةُ الثَّمَنِ)..أو زهيدَتُه.
ـ هاوي الطوابع..هواةُ الطوابع..!
هذه العبارةُ ليستْ فقط مغلوطةً..وحَسْب..بل..وغريبة ايضاً..لأنَّ (هاوي) إسمُ فاعلٍ من (هَوَى) أي وقعَ أو سقطَ من عَلٍ..فما علاقةُ الواقعِ على الأرضِ بالطوابع؟؟.. الفعل (هوِيَ يَهوَى) ، إسمُ الفاعل منه (هَوٍ) وهي (هَوِيَةٌ) ، والمفعول (مَهْوِيّ).لذا نقولُ:هَوِيُ طوابعٍ، وهؤلاء هَوو طوابع، وهو الهَوِيُ، وهم الهَوُون، ولم يكونوا هَوِين مِن قبْل؛ ولا يجوزُ القولُ: هذا هاوي طوابع، ولا هؤلاء هواة طوابع، ولا هم الهُواة.
ورُبَّ قَوْل..أنفذُ مِنْ صَوْل..
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha